وهب الله تعالى الحواس الخمسة للإنسان، وجعلها النوافذ التي تؤمِّن تواصله مع العالم الخارجي ومع سائر المخلوقات، وتُمكِّنه من استقبال المعارف وإدراك الموجودات والتمتع ببديع خلقه سبحانه، ولكن فضوله بشأن العالم الخارجي لم يُنسِه التعرف على هذه النوافذ وآلية عملها والأمور التي تُسبب خللها، وبالرغم من محاولات الإنسان الكثيرة لفهم الآلية الدقيقة لعمل هذه النوافذ وبالرغم من الاكتشافات المهمة التي توصل إليها إلا أن غبار الغموض بقي عالقًا في أماكن معينة منها، وسأُسلط الضوء في هذا المقال على إحدى هذه النوافذ وسأُخبرك عن أسرار بعض أماكنها التي قد نُفِض عنها الغبار.
حاسة الشم
وهي الحاسة المرتبطة بالأنف والتي تُمكِّن المخلوقات الحية من إدراك الروائح، وترتبط بطريقة عجيبة بحاسة التذوق التي تسمح بالتعرف على الطعمات، وتُعتبر حاسة الشم حاسةً كيميائيةً؛ أي أن النهايات العصبية الشمية تتنبه بوجود مواد كيميائية لها صفات خاصة وذات أبعاد صغيرة جدًّا بحيث تكون متطايرة في الهواء الداخل إلى الأنف، ويُقال بأن الإنسان يستطيع تمييز ما يُقارب 10000 نوع من الروائح المُختلفة، وتختلف قوة هذه الحاسة بشكل كبير بين أنواع الكائنات الحية حسب مساحة المنطقة الحاوية على النهايات العصبية الشمية؛ فهي لا تتجاوز عند الإنسان 5 سم مربع بينما تبلغ 25 سم مربع عند القطط وتتفوق الكلاب بحاسة شمها حيثُ تصل المساحة الشمية لديها إلى 50 سم مربع، بالإضافة إلى العديد من العوامل الأخرى.
فقدان حاسة الشم
يُمكن أن تُصاب حاسة الشم باضطرابات عديدة تتجلى بالضعف أو الفقدان الكامل أو الفرط أو الاضطراب الذي يمنعها من تمييز الروائح بماهيتها الصحيحة أو يجعلها توقع الدماغ في دوامة الهلوسة والأوهام الشمية، ولكن يُعتبر ضعف حاسة الشم وفقدانها بشكل نهائي من أكثر هذه الاضطرابات شيوعًا، وسأُخبرك في السطور التالية عن أهم الأسباب المُكتشفة والتي تُسبب هذا الاضطراب:
الأمراض الفيروسية أو الجرثومية
وخصوصًا الأمراض التي تُصيب الجهاز التنفسي؛ فعلى سبيل المثال أثبتت الدراسات حول فيروس كورونا -المُسبب الرئيسي للجائحة الخطيرة التي بدأت مع حلول شتاء عام 2019 م- بأن فقدان حاسة الشم خلال فترة العدوى من الأعراض الواضحة للإصابة بالمرض ويُرجح بأنه ينتج عن إضعاف الفيروس للنهايات العصبية الشمية في الأنف، وتختلف المدة الزمنية للعودة التدريجية للقدرة على الشم من شخص لآخر، كما أُثبِت أن الفيروسات الأنفية Rhino viruses التي تُسبب نزلات البرد أو الرشح تُحدِث احتقان الجيوب الأنفية وانسداد الأنف مما يُضيِّق المجرى التنفسي الأنفي ويُعيق وصول الهواء المُحمَّل بجزيئات الروائح إلى مكان النهايات العصبية الشمية مما يُسبب إضعاف حاسة الشم لفترة زمنية قصيرة، ويؤثر فيروس الإنفلونزا على حاسة الشم بطريقة مشابهة للفيروسات الأنفية ولكن بشكل أقل من تأثير فيروس كورونا عليها.
الحوادث التي تُسبب إصابات الرأس
إن الحوادث التي تؤدي إلى رضوض في أماكن معينة من الرأس كالأنف أو التي تُسبب أذية في الدماغ وتحديدًا في الباحة الشمية يُمكن أن تُسبب الفقدان النهائي لحاسة الشم.
التقدم بالعمر:
عند التقدم بالعمر يحدث تلف جزئي في الأعصاب عمومًا ومن بينها الأعصاب الشمية.
بعض أمراض الدماغ:
يُمكن أن تُسبب بعض الأمراض الدماغية مثل داء الزهايمر أو باركنسون تلفًا في بعض أجزاء الدماغ، كما أن بعض جراحات الدماغ يُمكن أن تؤدي إلى فقدان حاسة الشم نهائيًا.
التعرض لبعض المواد الكيميائية:
عند شم بعض المواد الكيميائية مثل المبيدات الحشرية أو المذيبات العضوية أو بعض أنواع المعادن يُمكن أن يُسبب تلف في النهايات العصبية الشمية وقد يكون هذا التلف غير قابلًا للشفاء.
الأورام الخبيثة:
إن الإصابة بورم سرطاني في الرقبة أو الرأس يُمكن أن يؤثر سلبًا على حاسة الشم.
التدخين:
يُمكن أن يُضعف التدخين من حاسة الشم بسبب احتواء دخان التبغ على الكثير من السموم العصبية.
العلاج الكيميائي:
مرضى الأورام المُعالجين بالعلاج الكيميائي أو الشعاعي يُمكن أن تضعف لديهم حاسة الشم أو أن يفقدوها إلى الأبد.
سوء التغذية:
عند إتباع أنظمة غذائية فقيرة بالفيتامينات اللازمة للجهاز العصبي مثل فيتامينات A وB12 وE وB6 وB1 وبعض المعادن مثل الزنك.
تناول بعض أنواع الأدوية:
مثل بعض أدوية ارتفاع ضغط الدم وأدوية الصرع والسكري وبعض المضادات الحيوية وأدوية التصلب اللويحي المتعدد.
التغيرات الهرمونية:
بالرغم من أن حاسة الشم تكون أقوى عند النساء إلا أنها تقلّ أو تُفقد نهائيًا في بعض الحالات بعد سن اليأس، كما يُمكن أن تُسبب مشاكل الغدة الدرقية إضعاف حاسة الشم أيضًا.
الحالات الوراثية أو الولادية.
تضخم القرينات أو الجيوب الأنفية أو حدوث التهاب في المنطقة الشمية في الأنف .
الحساسية الموسمية:
التي تؤدي إلى تهيج الغشاء الأنفي والتهابه.
إن حاسة الشم هي حاسة شديدة الأهمية، ويُعتبر فقدانها حالة مرضية خطيرة لأنها قد تكون عرضًا لمرض خطير كما وضحتُ فيما سبق، بالإضافة إلى النتائج غير المرغوبة التي تؤثر على حياة الفرد؛ فالشخص المُصاب بفقدان حاسة الشم لن يُلاحظ تسرب غاز سام وقد يُصاب بالاختناق عند وجوده في مكان مغلق أو ضعيف التهوية أو قد لا يستطيع الهروب في الوقت المناسب عند اشتعال حريق دون أن يُلاحظ ظهور دخان.