هل يحاسب الانسان على حديث النفس، حيث أن أغلب البشر يتحدثون إلى أنفسهم في عقولهم فقط، ويسمي علماء النفس هذه الحالة بالحديث الداخلي. كما أن حديث النفس يعكس أسرار الدماغ، ويساعد الشخص على التخطيط، وتنظيم المشاعر، والإبداع. وبالرغم من صعوبة دراسة هذه الظاهرة إلا أن علماء النفس حقوا في الفترة الأخيرة تقدمًا كبيرًا في تحليل الحديث الداخلي، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًّا إلى الدراسات التي تعتمد على تقنيات التصوير الطبي، لملاحظة الدماغ في أثناء عمله. بالإضافة إلى ذلك فقد كشفت النتائج التي توصل إليها العلماء عن بعض الأسس العصبية لحديث النفس. ولكي تتعرف عزيزي القارئ الإجابة عن سؤال “هل يحاسب الانسان على حديث النفس” تابع معنا فقرات مقالنا التالية.
حديث النفس
يخوض الإنسان أحيانًا في أحاديث عميقة ويتبادل الأفكار المختلفة مع نفسه. كما يطرح الشخص فيها الأسئلة ويصل إلى إجابات، حيث تعتبر هذه الحوارات صحيةً تتأثر باللاوعي وتكشف عن أفكار الشخص، ومعتقداته، وآرائه، وتعكس نتاج خبراته وتجاربه الحياتية. بالإضافة إلى ذلك يبقى حديث النفس سريًّا يسمعه الشخص وحده وهو يختلف عن الحوارات التي ينخَرط بها الأشخاص الّذين يُعانون من مشاكل نفسية كالفصام، والتي تكون مسموعةً للآخرين وكأنَّ الشخصَ يتحدّث لشخصٍ آخر.
شاهد أيضًا: أسباب اضطراب الوسواس القهري من هنا.
هل يحاسب الانسان على حديث النفس
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنَّ النَّبِيِّ ﷺ قال: “إِنَّ اللهَ تَجاوَزَ عَنْ أُمَّتي ما حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُها ما لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ”. حيث يوضح هذا الحديث أن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب الانسان على ما يدور في عقله من الوساوس والأفكار السيئة وحديث النفس بالشهوات والشبهات. وذلك لأنها أفكار عابرة وغير راسخة ولأن قلب الانسان ضعيف يتقلب في الليل والنهار ولا يستطيع دفع الوساوس والأفكار عن عقله. فجاءت رحمة الله ولطفه في المسامحة والتجاوز عن هذه الأمور بشرط أن لا يسترسل الإنسان فيها حيث سيحاسب عليها في إحدى الحالتين:
- الحالة الأولى: يحاسب الانسان على حديث النفس إذا تحدث به للناس. حيث سيترافق حديث النفس مع عمل اللسان فيحاسب على ذلك.
- الحالة الثانية: يحاسب الانسان على حديث النفس إذا عمل بما جال في خاطره من أمورٍ سيئة. لأنه حول هذه الأحاديث السيئة من أفكار قلبية إلى عمل في الواقع فيحاسب بها جزاء عمله بالسوء واقترافه الذنب.
أما ما يجول في خاطر الانسان من أحاديث سيئة وأمنية خبيثة وداعٍ إلى الهوى بسبب الشيطان والنفس ويكون عارضًا فلا يحاسب عليه ويجب أن يقطع هذه الخواطر ويستعيذ بالله من الشيطان ويذكر الله. كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ الآية: 36، فصلت.
شاهد أيضًا: تجربتي مع الدكتور طارق الحبيب للطب النفسي من هنا.
هل يحاسب الإنسان على حديث النفس بالكفر
أفتى علماء الأمة الإسلامية أن الله تعالى لا يحاسب الانسان على حديث النفس بالكفر. ولكن يحاسب المسلم إذا تلفظ بألفاظ الكفر، أو عمل بها. أو اعتقد به اعتقادًا راسخًا لا ينفر منه، فمجرد النفور من تلك الأحاديث يدل على خشيته منها. مما يشير إلى صحة عقيدته، وكمَال إيمانه، ففي الحديث الشريف أن مجموعةً من الصحابة جاؤوا إلى رسول الله فقالوا له: (إنَّا نجد في أنفسِنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان). وبالتالي من شعر أن حديث نفسه يتضمن الكفر فإن الله تعالى لا يؤاخذه بذلك ما لم يقل أو يعمل به.
شاهد أيضًا: ما هو علم النفس الإيجابي من هنا.
أنواع حديث النفس في علم النفس
بعد أن تعرفنا متى يحاسب الانسان على حديث النفس، لا بد وأن نتعرف على أنواع حديث النفس كما قسمها علماء النفس والتي تتمثل بالأنواع التالية:
- الكلام الإطرائي: ينشأ هذا النوع من الأحاديث عندما يحقق الانسان إنجازٍ ما مهما كان صغيرًا. فيعمد إلى مدح نفسه والثناء عليها دون أن ينتظر من أي شخص أن يفعل ذلك من أجله.
- الكلام التحفيزي: ينشأ هذا النوع من الحديث عندما يُحفّز الانسان نفسه ببعض الكلمات التشجيعية والتحفيزية لكي يتجاوز المصاعب التي يواجِها.
- الحوار مع النفس: ويقصد به إجراء الانسان حديث داخلي مع نفسه بهدف اتخاذ قرار في أحد المواضيع.
- التخطيط: يساعد هذا النوع من الأحاديث على التخطيط بشكل أفضل لمستقبل الانسان. كما يحفزه لتحقيق أهدافه.
الأحكام الشرعية المتعلقة بحديث النفس
قد يحدث الانسان نفسه بعمل شيءٍ يعود عليه بالثواب. كما قد يتحدث إلى نفسه بعمل أمرٍ يترتّب عليه العقاب. فإن كان حديث النفس بالسوء فالمؤاخذة مقتصرةٌ على الأعمال والنوايا التي تتبع هذا الحديث. وهذا من الأمور المُيسَّرة على عباد الله. حيث أن حديث النّفس من الأمور التي يصعُب التّخلص منها، ولو حاسب الله تعالى الانسان عليها لوقع في المشقّة. لذلك جاء قول الله تعالى (لَا يكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وسْعَهَا).
بالإضافة إلى ذلك لا يحاسب الانسان على حديث النفس بالردة ولا بالكفر. كما لا يتسبّب في بطلان العبادة طالما لم يعمل أو يتحدث به إلى الآخرين. أما في حال تعلق حديث النفس بعمل الخير الذي يترتب عليه الثواب والأجر، فإن ذلك يعود بالأجر على صاحبه. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كتِبَتْ له حَسَنَةً، ومَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَعَمِلَها، كتِبَتْ له عَشْرًا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، لَمْ تكْتَبْ، وإنْ عَمِلَها كتِبَتْ).
شاهد أيضًا: أعراض الوسواس القهري كيف يتم تشخيص الوسواس القهري من هنا.
أثر حديث النفس في الصلاة
يجب على المسلم أن يدفع في صلاته ما يجول في خاطره من أحاديث عن أمور الدنيا ومشاغلها. ويدلّ على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وضوئِي هذا، ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ، غفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ). ويقصد بقول النبيّ (لا يحَدِّث فِيهِما نَفْسَه) أنه يجب على المسلم ألا يسترسل في حديث نفسه أثناء الصلاة. أمّا فيما يتعلق بالوساوس التي تطرأ فجأة ويصعب دفعه فقد فسره ابن حجر -رحمه الله- بأنه لا حرج فيه ومعفوٌ وعنه.
كما قال ابن عياض -رحمه الله- إن المقصود في الحديث الشريف هو من لم يعرض له حديث النفس في صلاته . أمّا النووي -رحمه الله- اعتبر أن الانسان الذي يجول في خاطره حديث النفس أثناء الصلاة فدفعه مطلقًا نال فضل هذا الحديث من المغفرة. فإذا لم تحدّثه نفسه في صلاته فهو الأفضل والأعلى منزلة. بينما قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (غفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ). فقد فسره أكثر العلماء بمغفرة الصغائر دون الكبائر.
بالإضافة إلى ذلك فقد تعدّدت آراء العلماء في حكم من غلبت على صلاته كثرة الوسوسة والخواطر. فقال ابن تيمية -رحمه الله- إن الصلاة لا تبطل بذلك لأن الخشوع فيها سنّة، ولا تبطل الصلاة بترك السُّنن. أمّا ابن حامد وابن الجوزي -رحمهما الله- فقالوا إنّ الخشوعَ في الصّلاة واجبٌ، فتبطل الصلاة إذا غلب على معظمِها الخواطِر والوساوس.
وفي ختام مقالنا حول سؤال هل يحاسب الانسان على حديث النفس، نكون قد أجبنا عن هذا السؤال من كافة جوانبه. سواء أكان هذا الحديث عن الأمور السيئة أو عن الأعمال التي يتبعها الثواب. كما وضحنا الأحكام الشرعية المتعلقة بحديث النفس، وأثر حديث النفس في الصلاة. لذلك حاول عزيزي القارئ أن تتحكم بأفكارك واحاديثك وأفعالك وتوجهها إلى ما يرضي الله تعالى.