يعتبر المرور بحياة السلطان محمد الفاتح جزءًا مهمًا لا يمكن تجاهله عند دراسة وقراءة تاريخ السلطنة العثمانية. حيث لعبت دوراً مهما في تكوين تاريخ معظم الدول الإسلامية. وأيضا في تكوين كل مناحي الحياة من مأكل ومشرب وحتى بعض عاداتنا وتقاليدنا.
نشأت الدولة العثمانية كقوة متنامية ومناهضة لقوتين عظيمتين. قوة التتار القادمة من الشرق آسيا، وقوة نصارى أوربا القادمة من الغرب، ثم تدرجت هذه القوة في الانتصارات والتحالفات إلى أن أخذت شكل السلطنة العثمانية. مع العلم أخذت اسمها من السلطان عثمان ابن أرطغرل. فقد حقق أرطغرل انتصارًا على المغول والبيزنطيين في شرق آسيا، ونتيجة لذلك أصبحت هذه القوة السلطنة العثمانية. حيث صارت من عادات ورسوم السلاطين العثمانيين فيما بعد أن يتقلدوا سيف عثمان عندما تتم البيعة لهم.
توالت انتصارات الدولة العثمانية بعدما أخذت شكلها وأرست قواعدها وبالتأكيد تخللها بعض الهزائم والمكائد التي حدت من تقدمهم في بعض المناطق، ففي عهد السلطان مراد الثاني (824-855 هجرية) سيطر العثمانيون على آسيا الصغرى والبلقان، واكتسحوا شبه الجزيرة اليونانية ولم يبقى من ممتلكات الدولة البيزنطية سوى القسطنطينية وضواحيها. فكانت مهمة الاستيلاء على هذه المدينة والتي فشل فيها العديد من السلاطين الذين سبقوه من نصيب ابنه السلطان محمد الثاني الملقب بالفاتح لفتحه هذه المدينة.
شخصية محمد الفاتح
اعتبر محمد الفاتح أعظم سلاطين آل عثمان. وهو الذي اجبر أعداءه على مهابته والخوف منه، فكان له كلمته ودوره العظيم كمحرك للسياسة بين الشرق والغرب. ويعتبر موطد السياسة العثمانية في أوربا، ونتيجة لذلك كان لهذا دور كبير في رفع اسم الدولة الإسلامية.
ولم يكن اسم محمد الفاتح عظيمًا فقط عند أعدائه، فقد كان له من المحبة والتبجيل عند العثمانيين أنفسهم الشيء الكثير، فهو الذي حقق نبوءة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي أمير من أفضل أمراء العالم، وأنه هو من سيفتح القسطنطينية وسيدخلها في ديار الإسلام، وهذا ما جعلهم يطلقون عليه اسم صاحب البشارة.
فمتى ولد محمد الثاني، وكيف تقلد الحكم وما هي أهم انجازاته التاريخية ؟
مولد محمد الثاني نسبه وشبابه
ولد محمد الثاني لأبيه السلطان مراد الثاني عام (1429 ميلادية) سادس سلاطين آل عثمان، والدته هي السلطانة هما خاتون (1401-1449) والتي يشاع أنها لم تكن مسلمة في الأصل، نظرًا لبعض الوثائق التاريخية التي تقول أن اسمها هو خاتون بنت عبد الله واسم عبد الله كان يطلق آنذاك على معتنقي الإسلام الجدد. وبغض النظر عن هذا الخلاف فقد كان لها عظيم الأثر في تنشئته وتربيته وهي التي كانت تعامله كقائدٍ عظيمٍ.
تدرب السلطان محمد الفاتح على يد أشهر المعلمين آنذاك. كان محبًا للعلم والقراءة، وكان شغوفًا برسم الخرائط، كما عرف عنه نظم القصائد وكتابة الشعر، واهتمامه بالفنون والموسيقا.
هذا بالإضافة لمهارته في فنون القتال وركوب الخيل، فقد عرف بشجاعته وبسالته. أراد والده أن يعتاد أجواء المعارك فرافقه منذ نعومة أظافره في المعارك والجولات.
تقليد محمد الثاني الحكم
تسلم محمد الفاتح عرش السلطنة العثمانية مرتين، كانت المرة الأولى بعد وفاة أخيه الأكبر. حيث أراد والده السلطان مراد الثاني الاعتزال فسلمه مقاليد الحكم وكان وقتها قاصرًا. حيث تروي بعض الروايات أنه كان له من العمر أحد عشر ربيعًا، وبعضها الآخر يقول أربعة عشر ربيعًا.
لم يستطع السلطان الصغير الحفاظ على حكمه متينًا، فاستغل أعداؤه حداثة سنه وجهزوا الجيوش لمهاجمته، فاضطر مراد الثاني لترك عزلته وقيادة جيوشه لصد الهجوم وانتصر انتصارًا عظيمًا، وقد عمل بعدها على إخماد ثورة الاسكندر بك التي قامت ضده. وفي حين كانت المرة الثانية عند وفاة والده, حيث اعتلى الحكم وهو في العشرين من عمره، وقدر لفترة حكمه أن تكون فترة ذهبية في تاريخ الدولة العثمانية.
فتح محمد الثاني للقسطنطينية
كان للقسطنطينية عاصمة بيزنطة أهمية كبيرة من حيث الموقع الجغرافي، حيث تلتقي فيه أوروبا وآسيا، إلى جانب القوة العسكرية والاقتصادية. ولا يخفى على أحد أنها كانت طموح لكل امبراطوريات العالم، فقد تعرضت وصمدت أمام تسعةٍ وعشرين حصارًا.
فقد حاولت الأساطيل الإسلامية ولأكثر من مرة دخول القسطنطينية ولكنها لم تنجح رغم التجهيزات الكبيرة ورغم المدة الزمنية الطويلة للحصار.
عندما تسلم محمد الفاتح الحكم كانت القسطنطينية وضواحيها هي كل ما تبقى من الإمبراطورية البيزنطية. فأراد تحقيق حلم والده بفتحها فشرع يجهز الجيوش بحرًا وبرًا واهتم بهم اهتمامًا شديدًا، فهي وسيلته لتحقيق الهدف.
وقد كان له ذلك بعد أن حاصرها برًا وبحرًا ودك حصونها بالمدفعية إلى أن استطاع الجيش اختراق أسوارها، وسقطت القسطنطينية بعد قتال عنيف خسر خلاله الأسطول الإسلامي جزءًا كبيرًا منه ولكنه حقق الهدف. وأصبح محمد الثاني الفاتح وصاحب البشارة وكان عمره آنذاك واحد وعشرين عامًا.
لم تتوقف انتصارات السلطان عند فتح القسطنطينية، إذ كان له الكثير من الإنجازات والفتوحات الأخرى، فامتدت وتوسعت الدولة الإسلامية في حكمه وسار إليه ملوك وأمراء أوربا لعقد الصلح والمعاهدات خوفًا من قوته المتنامية.
وفاة محمد الثاني
استمر محمد الفاتح بطموحاته وأراد فتح إيطاليا ولكنه تعرض لمكيدةٍ دبرت له أثناء خروجه على رأس جيشه لفتح إيطاليا عام 886 هجرية، حيث توفي مسمومًا ودفن في القسطنطينية، والتي عرفت بعد أن فتحها بإسلامبول، وفيما بعد باسطنبول. وقد أوصى محمد الفاتح بالحكم لابنه بايزيد الثاني بكره وابن زوجته أمينة كلبهار خاتون، وبذلك انتهت فترة تاريخية مهمة من حياة السلطنة العثمانية حققت فيها إنجازاتٍ غير مسبوقة على يد أعظم السلاطين العثمانيين.
وضع السلطان محمد الفاتح أسس القانون المدني وقانون العقبات، وبنى العديد من المساجد في المدن التي فتحها، كما شيد المدارس والبيمارستانات والأسواق والحدائق العامة وأوصل المياه إلى المدن بواسطة قناطرٍ خاصةٍ، ومن أبرز منشآته المعمارية جامع الفاتح، والبازار الكبير، والسراي السلطانية، ويمكن القول إن السلطنة شهدت في عصره نهضةً لم تشهدها على أيدي من سبقوه من السلاطين.