الشيخ محمد متولي الشعراوي، صاحب القول المتين والمنطق السليم، أخذ الإسلام مدرسةً منذ الصغر، وزيّن ذاكرته بحفظ القرآن الكريم، وما زال صبيًا صغيرًا. إذ دفعه اقترابه الديني والقلبي من ربه والإسلام. ليكون عالمًا في موجوداته الظاهرة ومكنوناته الخفية. كما التزم بهذا القرب سنينًا طويلة. فأبدع في رسم حياته العقلية والروحية. كما عُرف عنه الذكاء وإجادة القول والنظرة الثاقبة والرأي الصحيح والمنطق العاقل، الأمر الذي جعله مميزًا بين أقرانه. كما ألقى الكثير من الخُطب وخط الكتب وشارك في الكثير من الندوات الفلسفية والدينية. فكان الشيخ الفاضل محمد متولَي الشعراوي خير عالم وعابد خلق صورة لا تنسى تتولد في قلوب وأذهان سامعيه وقارئيه من جيلٍ إلى جيل. ونحن عبر موقع كيف سنقدم سيرة محمد متولي الشعراوي منذ ولادته وحتى وفاته.
من هو محمد متولي الشعراوي
ولد محمد متولي الشعراوي في الخامس عشر من أبريل عام 1911 ميلادي، في قرية “دقادوس” الواقعة في المحافظة المصرية الدقهلية. ومنذ صغره أبدى محمد متولي الشعراوي ذكاءً خاصًا ونبوغًا متينًا، فحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره. كما كان قد حفظ الكثير من الأشعار والأقوال والحكم المأثورة لذلك وضعه ما سبق على الطريق الصحيح في سبيل الوصول للحكمة والعلم الكثيرين. استطاع محمد متولي الشعراوي أن يثبت تميزه في الكثير من المواضع والأمور، ما جعله يقف موقفَ المميز بين أقرانه. لذلك اختاروه ليكون رئيسًا لاتحاد الطلبة العام في مصر. كما كان رئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق آنذاك.
وكما في كل السّير للشخصيات التي حجزت مقعدها في الكتب وفي ذاكرة الناس، كان للعالم محمد متولي الشعراوي حدثًا مميزًا، نستطيع القول أنه كان المفتاح لهذه السيرة الكبيرة، ذلك عندما قرر والده السفر به من القرية إلى القاهرة ليشرب من منابع العلم في الأزهر الشريف، لكنه رفض ذلك. نظرًا لتعلقه بإخوته وزراعة الأرض، غير أن إصرار والده على هذا الأمر جعله ينصاع له. كما روى محمد متولي الشعراوي في أحد لقاءاته: قد طلب من والده آنذاك أن يشتري له أمهات الكتب والمراجع والمصادر بما يخص القرآن والتفسير والإسلام والتراث، وذلك كطلب تعجيزي لعل والده ُيقلع عن قراره. علمًا بأن الأمر كان شاقًا على أبيه في ذاك الوقت. فما كان من والده غير أن أحضرَ كل ما طلبه الفتى محمد متولي الشعراوي ، وأخبره بأنه يعرف عدم احتياجه لكل هذه الكتب في الأزهر الشريف. لكنها ستكون خير ما تنهل العلم منه وتقتبس صورةً علميةً وفكريةً لتضعها في قلبك وعقلك.
في عام 1937 دخل محمد متولي الشعراوي إلى كلية الآداب في قسم اللغة العربية، فأجاد الإبحار في علوم اللغة ومفاتنها. كما كان لحفظه الشعر في سنيًه الأولى دورًا في زيادة ذخيرته الأدبية، الأمر الذي جعل منه شاعرًا مُجيدًا، فزرع فِكره في أبيات الشعر. كما استطاع أن يضع كتبًا ودواوين.
بدايات محمد متولي الشعراوي
إن النبوغ والقدرة على وصول الإنسان لمرحلة عظيمة، وتحقيق مكانة في المجتمع والتاريخ. لا تكون إلا من الصغر، ومن هذا المنطلق كان للشعراوي شيئًا مميزًا منذ طفولته. فقد استطاع حفظ القرآن الكريم في أول عمره. وهذه من النوادر والقلائل، ولحفظ القرآن مكاسب فكرية ولغوية. إذ تدخل الإنسان في لجة من التفكير والأسئلة ما يفتح آفاقًا كبيرة. الأهم من ذلك كله، تضعه على الطريق الصحيح في السير عبر حياته. كما أن محمد متولي الشعراوي حفظ وقرأ من التراث، وأضاف لذاكرته الحكم والأقوال. ما جعله يدخل في بوابة واسعة للحكمة والرأي الصائب.
دخل الشعراوي بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري وذلك في عام 1922 ميلادي. وفي العام 1923 كان بين صفوف المعهد الثانوي في الزقازيق أيضًا. ليبدأ طريقه في سيرته من ذاك المكان.
قد يهمك أيضًا: محمود درويش Mahmoud Darwish سيرته الذاتية
الحياة الشخصية للشيخ الشعراوي
لم يكن للشيخ محمد الشعراوي حياة شخصية لافتة. غير أنه تزوج في سن مبكرة وكان بعده في الثانوية، وقد قام والده باختيار زوجته له. وأنجب ثلاثة أولاد وبنتين. ومع انغراسه بالعلم والتدرس، وتكريس حياته في التقصي والبحث والسفر. لم يغب عن قلب الشيخ الشعراوي الحب والاهتمام بعائلته، فكان خير أب وزوج.
الحياة العملية والمهنية للشيخ الشعراوي
كان لفضيلة الشيخ محمد متولَي الشعراوي حياةً مليئة بالأحداث. فقد تخرج الشعراوي من كلية الآداب في عام 1940 ميلادي. كما واستطاع أن يحصل على العالمية في التدريس وذلك في عام 1943 ميلادي. وفي مصر وبعد أن أسدل ستار تخرجه، تعين الشعراوي في المعهد الديني في طنطا، وانتقل بعد ذلك إلى المعهد الديني في الزقازيق وثم للمعهد الديني في الإسكندرية، كما أن حياة الشيخ محمد متولي الشعراوي لم تنتهِ في حدود مصر، بل سافر بعد سنين الخبرة التي أنجزها في التدريس في مصر إلى السعودية. لتوكل إليه هناك مهمة أستاذ في الشريعة في جامعة أم القرى وكان ذلك في عام 1950 ميلادي.
على عكس تخصصه، درس الشيخ الشعراوي مادة العقائد ولم تكن في إطار دراسته. لكنه استطاع أن يثبت قدرته في توطين ذكاءه وخبرته، فدرس المادة بأفضل ما يكون من التدريس، ونال استحسان الجميع آنذاك. لم يفلت الشيخ الشعراوي من أنياب السياسة، فقد أدى خلاف نشب بي الرئيس جمال عبد الناصر وبين الملك سعود عام 1963، إلى منعه من التدريس في المملكة العربية السعودية. فقامت مصر بتعيينه مديرًا لمكتب شيخ الأزهر الشيخ حسن مأمون.
كما سافر الشيخ محمد الشعراوي رئيسًا لبعثة قام بها الأزهر إلى الجزائر، وقد استمرت لسبع سنوات قضاها الشيخ الشعراوي في التدريس. وبعد عودته في مصر وكان ذلك في ظل النكسة عام 1967 التي عانت منها الجمهورية المصرية والتي رد وتكلم عنها، عُين الشيخ الشعراوي مديرًا للأوقاف. ثم وكيلًا للأزهر الشريف وبعدها سافر إلى السعودية حيث أكمل ما بدأ فيه وهو التدريس بجامعة الملك عبد العزيز.
دور الشيخ الشعراوي في نقل مقام إبراهيم في السعودية
تقرر نقل مقام إبراهيم من مكانه عام 1954 ميلادي. وذلك لأنه يضيق على الطائفين. كما وتحدد الوقت والمكان وكان الملك سعود آنذاك هو المشرف على هذه العملية. كان الشيخ الفاضل محمد متولي الشعراوي يعمل أستاذً في الشريعة في السعودية، وعندما سمع بهذا الأمر لم يقبل وقال أنه مخالف للشريعة . فاتصل بالعديد من الجهات التي أخبرته أن البناء الجديد قيد الإنشاء. غير أن الشيخ العارف لأصول الشريعة لم يهنأ له البال حتى أرسل خطابًا للملك سعود مؤلف من خمس صفحات مختصرها أن الرسول كأن أولى بنقله وليس مصيبًا هذا الأمر. قام الملك سعود بمناقشة الخطاب مع جميع القائمين على نقل مقام إبراهيم ووافقوا على مقتضياته. كما قام الشيخ محمد الشعراوي بإعطائهم فكرة، وهي وضع الحجر في غرفة زجاجية غير قابلة للكسر بدلًا من البناء الكبير، وتم العمل بما أوصى.
المناصب التي حصل عليها الشيخ محمد الشعراوي
استطاع الشيخ محمد متولَي الشعراوي أن يحصل على العديد من المناصب وهي:
- عين مدرس بمعهد طنطا الأزهري وعمل به، ثم نُقِلَ إلى معهد الإسكندرية، ثم معهد الزقازي.
- كما أُعِير للعمل في المملكة العربية السعودية وذلك في سنة 1950 ميلادي. كما وعمل مدرسًا بكلية الشريعة في بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
- وأيضًا وكيل لمعهد طنطا الأزهري سنة 1960 ميلادي.
- مدير للدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف سنة 1961 ميلادي.
- مفتش للعلوم العربية بالأزهر الشريف 1962 ميلادي.
- مدير لمكتب الإمام الأكبر شيخ الأزهر حسن مأمون 1964 ميلادي
- رئيس لبعثة الأزهر في الجزائر 1966 ميلادي
- أستاذ زائرًا بجامعة الملك عبد العزيز بكلية الشريعة بمكة المكرمة 1970 ميلادي
- رئيس قسم الدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز 1972 ميلادي
- وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر بجمهورية مصر العربية 1976 ميلادي
- عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية 1980 ميلادي.
- عضوًا بمجلس الشورى بجمهورية مصر العربية 1980 ميلادي.
- والجدير بالذكر أن عُرضت عليه أن يكون شيخ الأزهر وعدة مناصب في عدد من الدول الإسلامية، لكنه رفض وقرر التفرغ للدعوة الإسلامية.
خواطر الشيخ الشعراوي في تفسير القرآن
في عام 1979 كان أول ظهور للشيخ الشعراوي على شاشة التلفاز، وكان ذلك في برنامج نور على نور. وقد قام عندها بتفسير سورة الفاتحة ووصل في التفسير في آخر سورة الممتحنة. غير أن المرض والموت بعدها أحاله دون أن يكمل تفسير القرآن بالكامل. كما يقول الشعراوي أن تفسير القرآن ليس تفسيرًا بالمعنى الحرفي. بل هي خواطر من قلب مؤمن وتجليات تظهر من خلال تلاوته للقرآن. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان الأول بتفسير القرآن وهو من نزل عليه وحُمّل رسالته ومبتغاه. كما يضيف الشيخ الشعراوي أنه اعتمد منهجًا في تفسير القرآن كان على ما يلي:
- تأتي اللغة كمنطلق حتمي لفهم وتفسير النص القرآني.
- محاولة البحث في فصاحة القرآن والأسرار الكامنة في نشأته ونظمه
- الإصلاح الاجتماعي والإنساني.
- رد الشبهات التي يرويها المستشرقون.
- يضع تجاربه الشخصية كمثال ما يبسط التفسير.
- المزج بين العمق والبساطة.
- ضرب الأمثلة.
- الاستطراد الموضوعي.
- وجود النفس الصوفي.
- الأسلوب المنطقي في التفسير الذي يعتمد على الحجة والبرهان.
مؤلفات الشيخ محمد متولي الشعراوي
استطاع الشيخ الشعراوي أن يطبع فكره ومنهجه في مجموعة كبيرة من المؤلفات كما تعد مؤلفات الشيخ محمد متولي الشعراوي. مرجعًا في التفسير والعلوم القرآنية واللغوية والدينية.
مؤلفات الشيخ محمد الشعراوي:
لمنتخب في تفسير القرآن الكريم. خواطر قرآنية. معجزة القرآن. من فيض القرآن. نظرات في القرآن. الإسراء والمعراج. الأدلة المادية على وجود الله. الإسلام والفكر المعاصر. الإنسان الكامل محمد صلى الله عليه وسلم. الأحاديث القدسية. الآيات الكونية ودلالتها على وجود الله تعالى. البعث والميزان والجزاء. التوبة. الجنة وعد الصدق. الجهاد في الإسلام. أضواء حول اسم الله الأعظم. | الحج الأكبر – حكم. أسرار عبادات. الحج المبرور. الحسد. الحصن الحصين. الحياة والموت الخير والشر. السحر. السحر والحسد. السيرة النبوية. الشورى والتشريع في الإسلام. الشيطان والإنسان. الصلاة وأركان الإسلام. الطريق إلى الله. الظلم والظالمون. المعجزة الكبرى. أسماء الله الحسنى. أسئلة حرجة وأجوبة صريحة. | الفتاوى. الفضيلة والرذيلة. الفقه الإسلامي الميسر وأدلته الشرعية. القضاء والقدر. الله والنفس البشرية. المرأة في القرآن الكريم. المرأة كما أرادها الله. النصائح الذهبية للمرأة العصرية. الإسلام والمرأة، عقيدة ومنهج. فقه المرأة المسلمة. الغارة على الحجاب. الوصايا. إنكار الشفاعة. أحكام الصلاة. أنت تسأل والإسلام يجيب. الغيب. | بين الفضيلة والرذيلة. جامع البيان في العبادات والأحكام. حفاوة المسلمين بميلاد خير المرسلين. عداوة الشيطان للإنسان. عذاب النار وأهوال يوم القيامة. على مائدة الفكر الإسلامي. قصص الأنبياء. قضايا العصر. لبيك اللهم لبيك. نهاية العالم. هذا ديننا. هذا هو الإسلام. وصايا الرسول. يوم القيامة. عقيدة المسلم. أسرار بسم الله الرحمن الرحيم. |
الجوائز التي حصل عليها الشيخ الشعراوي
لا بد أن إنسانًا فاضلًا كالشيخ محمد متولي الشعراوي، يستحق التقدير في القلوب والعقول. وزراعة أعماله وأقواله وحياته في التاريخ والكنب. ولذلك تم منح الشيخ الشعراوي العديد من الجوائز وهي:
- أعطي الإمام الشعراوي وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى لمناسبة بلوغه سن التقاعد في 15 أبريل 1976 ميلادي. قبل تعيينه وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر.
- منح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1983 ميلادي وعام 1988 ميلادي، وأيضًا وسام في يوم الدعاة.
- حصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعتي المنصورة والمنوفية.
- قامت رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة باختياره عضوًا بالهيئة التأسيسية لمؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومنحته الثقة بترشيح من يراهم من المحكمين في مختلف التخصصات الشرعية والعلمية. ذلك لتنقيح الأبحاث الواصلة إلى المؤتمر.
- شخصية المهرجان الثقافي لعام 1989 ميلادي والذي تعقده محافظة الدقهلية كل عام لتكريم أحد أبنائها البارزين، وأعلنت المحافظة عن مسابقة لنيل جوائز تقديرية وتشجيعية، عن حياته وأعماله ودوره في الدعوة الإسلامية محليًا، ودوليًا. كما ورصدت لها جوائز مالية ضخمة.
- من جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم تم اختيار الشعراوي كشخصية العام الإسلامية في دورتها الأولى عام 1418 هجري الموافق 1998 ميلادي.
وفاة الشيخ محمد متولي الشعراوي
توفي الشيخ محمد متولي الشعراوي في 17 يوليو من عام 1998 ميلادي. تاركًا وراءه إرثًا ثقافيًا وتربويًا كبيرًا. كما ترك مجموعة من الكتب الإسلامية والحضارية كتفسير القرآن والرد على سذاجة المستشرقين وكفرهم في الشك في صحة الآيات الكريمة. فرحم الله الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمةً كثيرة الفخر.
حاولنا عزيزي القارئ أن نغوص بحياة العالم والشيخ الفاضل محمد متولَي الشعراوي. لننقل لكم سيرةً لعالم إسلامي وضع حياته أمام العلم والتدريس والتربية. سل سيفه بوجه الكفر والاتهتم. كما قام بالدعوة الإسلامية ليظهر إيمانًا ليس له نظير.
قد تكون مهتمًا أيضًا: عبد الله المعلمي Abdullah Almuealimi أهم مشاهير السعودية