ما هي متلازمة ترومان

قادنا الفضول عزيزي القارئ لمعرفة ما هي متلازمة ترومان بعد اطلاعنا على التقرير الذي قدمه فيلسوف علم الأعصاب جويل جولد، وأخوه الطبيب النفسي إيان جولد عام 2008. حيث تضمن التقرير وصفًا لحالاتٍ غريبةٍ لمرضى وهمٍ سافر أحدهم إلى مدينة نيويورك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر للتأكد من حادثة وقوع برج التجارة العالمي، وأن ذلك ليس مجرد ما وصفه بتحولٍ في السيناريو أجراه المخرج. ومريضٍ آخر أراد أن يتسلق تمثال الحرية لأنه ظن بأنه إذا أقدم على ذلك سيطلق سراحه كما قال من العرض. وقد وصف حالته لجويل جولد بالكلمات التالية: “أدركت أني كنت ولازلت المحور، وأني محط اهتمام الملايين من الناس. عائلتي وجميع من أعرفهم كانوا ممثلين في سيناريو تمثيليةٍ الغرض منها جعلي محط اهتمام العالم”.

وقد اصطلح الأخان جويل وإيان على إطلاق تسمية “متلازمة عرض ترومان” لوصف مثل هذه الحالات نسبةً إلى فيلم “عرض ترومان” الذي أطلق عام 1998 للنجم الشهير جيم كاري. حيث تدور أحداث هذا الفيلم حول موظفٍ في شركة التأمين يعيش حياةً عاديةً للغاية. إلا أن الحقيقة هي أن ترومان يعد أشهر الأشخاص في أمريكا. فهو نجم لأشهر برامج تلفزيون الواقع التي تبث على مدار الساعة، وقد بدأ العرض منذ ولادة ترومان. لكن ترومان بالتأكيد لا يعلم ذلك. أما في حالة مرضى متلازمة ترومان فهم يظنون أنهم قد كشفوا التمثيلية، وأنهم يعلمون بأن عدسات الكاميرات لا تفارقهم. فلنلقي عزيزي القارئ معًا نظرةً أقرب على متلازمة ترومان، ولنتعرف على كيفية علاجها.

تعريف متلازمة عرض ترومان

تعرف متلازمة عرض ترومان The Truman Show delusion بأنها نوع من أنواع اضطرابات الأوهام يعتقد فيها المريض أن حياته عبارة عن مسرحيةٍ منظمةٍ أو عرضٍ متكاملٍ من عروض تلفزيون الواقع، يؤدي فيه جميع الناس، بمن فيهم الأهل، أدوارهم التمثيلية باحترافيةٍ عاليةٍ، بحيث يكون هو نجم هذا العرض. لذا فهو يظن أن عدسات الكاميرات لا تفارقه بل تعمل على تسجيل أدق تفاصيل حياته لتجعل منه محط أنظار العالم. ولا تتعدى هذه التسمية كونها اصطلاحًا غير مدرجٍ في الدليل التشخيصي والإحصائي للجمعية الأمريكية للطب النفسي. حتى أن جويل وإيان جولد، لم يصفاه بأنه تشخيص جديد، إنما أشارا إليه بأنه تباين في أوهام العظمة والاضطهاد.

ما هي أعراض اضطراب ترومان

يعاني المريض بمتلازمة عرض ترومان من أعراضٍ ذهانيةٍ مرضيةٍ، يتكلم فيها عن اعتقاده بأنه في موقع تصويرٍ، وبأنه شخص مشهور جدًا، ويعتقد بأن لديه إمكانياتٍ وطاقاتٍ داخليةٍ تفوق إمكانياته الحقيقة. لذا فهو يتحرك ويتصرف كنجمٍ ذي قاعدةٍ شعبيةٍ كبيرةٍ من المعجبين الذين يتابعون باهتمامٍ، ودون مللٍ كل تفاصيل حياته عبر شاشات التلفاز.
وقد اتسع مفهوم المتلازمة مع تطور وسائل الإعلام ليشمل حاليًا وسائل التواصل الاجتماعي، فبدلًا من أن يعتقد الشخص بأنه نجم تلفزيوني، أصبح يصنع لنفسه قاعدةً جماهيريةً من المعجبين والمتابعين على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، ليشارك كل تفاصيل حياته الدقيقة معهم، مصدقًا بأنهم ينتظرون مشاركاته ونشاطاته منذ طلوع الشمس، وحتى غيابها. لذا هو يهتم بشكلٍ هوسيٍ برصد إعجابات متابعيه، ومشاركاتهم.

علاج اضطراب الوهم ترومان

يعيش المريض الذي تظهر عليه أعراض متلازمة ترومان سجينًا لنظرات الآخرين وتعليقاتهم وآرائهم المباشرة، أو غير المباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي. وطالما تراقبه الكاميرات باستمرارٍ فهو لا يشعر بالحرية أبدًا، فنمط تفكيره هذا يجرده من أدنى خصوصية، فلا يمكن أن يكون على سجيته أبدًا مما يضعه تحت ضغطٍ نفسيٍ كبيرٍ قد لا يستطيع تحمله، لذا لا بد من التدخل بسرعةٍ لعلاج هذه الحالات.
تتطلب بعض الحالات الحرجة، أو الحالات التي قد يؤذي فيها مريض متلازمة ترومان نفسه، علاجًا في المستشفى حتى تستقر هذه الحالة. ويشمل علاج اضطراب الأوهام هذا في معظم الأحيان علاجًا نفسيًا، وعلاجًا دوائيًا، حيث أظهر مرضى الأعراض الذهانية مقاومةً عاليةً للعلاج بالأدوية وحدها، لذا يعتبر العلاج النفسي هو العلاج الأساسي في مثل هذه الحالات.

العلاج النفسي لاضطراب ترومان

يوفر العلاج النفسي بيئةً مناسبةً للمرضى لمناقشة حالاتهم، مع تحفيزهم على تحسين تصرفاتهم. كما يساعدهم في حل المشكلات السلوكية والنفسية المرافقة لاضطراب الأوهام، حيث يمكن المرضى من تعلم كيفية التحكم بالأعراض والسيطرة عليها، وتحديد الإشارات المبكرة للانتكاسات، والتخطيط لتفادي هذه الانتكاسات، ويتمثل العلاج النفسي بـ:

  • مساعدة المريض في التعرف على التفكير الأساسي الطبيعي، والذي أصبح مشوهًا لديه.
  • يساعد العلاج المعرفي السلوكي المريض في التعرف على السلوكيات والأفكار التي تسبب له المشاعر المزعجة، وكيفية تغييرها.
  • يوجه العلاج الأسري أفراد الأسرة للتعامل بفعاليةٍ أكبر مع أحد أفرادها والذي يعاني من اضطراب الأوهام، مما يساعد في تحسين حالة المريض.

علاج متلازمة عرض ترومان بالأدوية

يطلق على الأدوية المستخدمة في معالجة اضطراب الأوهام تسمية مضادات الذهان، وتشمل هذه الأدوية:

  • مضادات الذهان التقليدية: كالكلوربرومازين، والفلوفينازين، وهي أدوية تقليدية تستخدم في علاج مرضى الأوهام منذ أكثر من سبعين عامًا، وتعمل هذه الأدوية على تثبيط عمل مستقبلات الدوبامين في الدماغ، حيث يعتقد بأن الدوبامين يحفز تشكل الأوهام لدى المرضى.
  • الأدوية غير النمطية المضادة للذهان: تشمل هذه الأدوية الريسبريدون، والكلوزابين، وقد أثبتت هذه الأدوية فعاليةٍ عاليةٍ في علاج مرضى اضطراب الأوهام، وتعمل على تثبيط مستقبلات الدوبامين، ومستقبلات السيروتونين في الدماغ.
  • مضادات الاكتئاب والمهدئات: تستخدم في الحالات التي يعاني فيها مرضى اضطراب الأوهام بشكلٍ كبيرٍ من القلق وقلة النوم. حيث تعمل هذه الأدوية على تهدئتهم، وتحسين مزاجهم.
Scroll to Top