توجد العديد من الأمراض التي تصيب الإنسان، كما تكثر الأسباب وتتنوع. بالإضافة إلى أن معظمها يعالج منزليًا بينما تحتاج بعض الأمراض إلى تدبير إسعافي. ومن هذه الأمراض الخطيرة إن هملت نذكر داء غيلان باريه.
يسمي غيلان باريه أيضًا بالتهاب جذور الأعصاب العديد المكتسب، يصيب المرض الأعصاب المحيطية الطرفية إذ يعبر عن إصابة مناعية ذاتية والتهابية للجهاز العصبي المحيطي، كما أنه يسبب ضعفًا في هذه الأعصاب قد يصل حتى شللها.
تسمح الفيزيولوجيا المرضية بتمييز نمطين أساسيين لتناذر غيلان باريه، النمط الأول هو إصابة التهابية مزيلة للنخاعين. بالإضافة إلى النمط الثاني وهو إصابة محورية حركية صافية أو حركية حسية (الأندر). كما ويسبق تناذر غيلان باريه حدثية التهابية في ثلثي الحالات. على سبيل المثال إصابة هضمية كما التهاب المعدة والأمعاء، وبنسبة أقل إصابة تنفسية كما التهاب اللوزات.
تصيب متلازمة غيلان باريه الجسم بشكل صاعد، والمقصود بذلك أن بداية الإصابة في الأطراف السفلية ثم تصعد تدريجيًا إلى الجذع والأطراف العلوية محدثةً في النهاية قصورًا تنفسيًا أو شللًا دماغيًا. بالإضافة إلى ذلك أن الإصابة متناظرة أي تكون متساويةً في الجهتين عند المرضى، ونادرًا ما تأتي بشكلها الحاد الصاعق.
سميت المتلازمة بهذا الاسم تبعًا لأطباء الأعصاب الفرنسيين وهما: جورج غيلان، وجان ألكسندر باريه.
سير مرض غيلان باريه
يلي المرض كما ذكر سابقًا الإصابة الالتهابية بعد حوالي 7 أيام، ويبدأ تدريجيًا بإصابة الأطراف السفلية (ضعف عضلي) صاعدًا نحو الأعلى، كما تكتمل الإصابة خلال ساعات إلى عدة أسابيع. بالإضافة إلى أن الشكل المزمن هو الأشيع وهو جيد الإنذار نوعًا ما، لكنه في المقابل قد يصل بسيره الحاد إلى قصور تنفسي يهدد الحياة،
حسب الدراسات الحديثة، يستعيد ما يقارب (90% – 95%) من الأطفال القدرة على المشي خلال 25 يومًا وسطيًا من الإصابة. ويرى البعض أنه قد يصل المرضى إلى الشفاء التام من المرض خلال (6-12) شهرًا.
تشير الأبحاث إلى أن معدل الوفيات لا تتعدى (3%) من المصابين. في المقابل تصل المخاطر الحركية الناتجة عن هذه المتلازمة حتى (5%-10%).
عوامل سوء الإنذار للمرض
هناك عدة عوامل لها تأثير سلبي على سير المرض وتسبب أضرارًا عند تواجدها قد تصل حتى الوفاة. نذكر على سبيل المثال: وجود إسهال سابق، وسرعة ترقي المرض، وشدة العجز الحركي المرافق. ولا شك أن وجود الإصابة المحورية عامل خطر عالي بالإضافة إلى الإنتان بالكامبيلوباكتر.
أهم الأعراض السريرية لتناذر غيلان باريه
تمر التظاهرات السريرية في عدة مراحل، قد تسبق ظهور المرض او تليه. إذ أن البداية تكون سريعةً وغالبًا ما تكون بداية حسيةً وألميةً. وبالإضافة إلى ذلك، تبدأ الإصابة غالبًا بالضعف العضلي الذي يسبب ترنحًا وعدم القدرة على المشي.
تسبق حدثية التهابية على شكل إصابة هضمية معوية، أو إصابة تنفسية علوية تناذر غيلان باريه بـ 7 إلى 10 أيام. ثم تليها المرحلة العصبية بعد 10-14 يومًا من الإنتان، وتتميز هذه المرحلة أنه لا يبدي فيها الأطفال ترفعًا حروريًا. بالإضافة إلى ذلك، تمر المرحلة العصبية في ثلاث مراحل وهي بالترتيب الآتي:
- مرحلة انتشار الشلل صعودًا من الأطراف السفلية حتى الدماغ، وتستمر حوالي 8 أيام.
- يليها مرحلة استقرار وقد تستمر هذه المرحلة ما يقارب ال 10 أيام.
- في النهاية، تبدأ مرحلة التحسن بعد حوالي 13-15 يومًا من ظهور الأعراض السريرية.
ونذكر أهم الأعراض السريرية المميزة لتناذر غيلان باريه: العجز الحركي والضعف العضلي، والترنح أو اضطراب التوازن. بالإضافة إلى أن عسرة البلع شائعة وقد تحتاج إلى مراقبة ومعالجة مناسبة.
في المقابل تبقى الاضطرابات الحسية كثيرة المشاهدة ويسيطر عليها الألم. أما التناذر السحائي موجود في 30% من الحالات فقط.
تشمل الأعراض السريرية أيضًا صعوبةً في التبول قد تصل حتى الأسر البولي الحاد (انقطاع بول). ولا شك أن اضطرابات العلامات الحيوية مثل ارتفاع أو انخفاض الضغط الشرياني، وبطء القلب، واضطرابات نظم قلبية، قد تسبب توقف القلب.
إن ما يميز الفحص السريري في متلازمة غيلان باريه هو غياب المنعكسات الوترية الداغصية في الجهتين.
أدوات التشخيص والفحوص المتممة لتناذر غيلان باريه
نلجأ لتشخيص غيلان باريه عن طريق عدة طرق. بالإضافة إلى القصة السريرية النموذجية والفحص السريري الدقيق، نذكر على سبيل المثال:
- البزل القطني: قد يكون البزل طبيعيًا في البداية، إذ يظهر الافتراق الآحيني الخلوي بين اليومين الثاني والعاشر من المرض. والمقصود بذلك أن بروتين السائل الدماغي الشوكي عالي مقارنةً بعدد الخلايا المرضية الموجودة فيه.
- تخطيط العضلات الكهربائي: إذ يسمح التخطيط بتمييز نموذجي المرض المزيل للنخاعين والإصابة المحورية. بينما يثبت في حال إيجابيته إصابة الأعصاب المحيطية، ويتظاهر على شكل تناقص في سرعة النقل العصبي الحركي.
- زرع الدم والبراز: إن الدراسة الفيروسية والجرثومبة ضرورية لكشف الإصابة بالكامبيلوباكتر والفيروس المضخم للخلايا المسبب لحدوث هذا المرض.
- التصوير بالرنين المغناطيسي للنخاع الشوكي: يظهر بعد حقن المادة الظليلة تباينًا شاذًا على مستوى المخروط النهائي للنخاع الشوكي أو الجذور العصبية القطنية. وذلك يوحي بتشخيص غيلان باريه.
التشخيص التفريقي لمتلازمة غيلان باريه
تدخل عدة تشاخيص تفريقية مع متلازمة غيلان باريه. نذكر مثلًا: التهاب النخاع المستعرض، والتهاب العضلات، والتسمم الوشيقي أو الاعتلال العصبي السمي.
علاج مرض غيلان باريه والوقاية منه
تشمل المعالجة الأساسية الحد من الأعراض ومنع ترقي المرض. بالإضافة إلى أنها معالجة تمريضية وفيزيائية، وعلاج الاختلاطات في حال حدوثها. ولا بد أن يكون القبول المشفوي أول خطوة في التدبير، طالما أن التحسن لم يبدأ بعد. بالإضافة إلى تسكين الألم ونستخدم هنا المسكنات المركزية مثل الأفيونات، أو المضادات الصرعية في حال وجودها.
قد نلجأ إلى الإنعاش والتنفس الاصطناعي في حالة الاضطرابات القلبية والتنفسية، أو اضطرابات البلع. في المقابل، إن المعالجة النوعية هي إعطاء الغلوبولينات المناعية مثل IVIG، أو تبديل البلازما الطازجة في حال عدم توفره.
معدل الإصابة بمتلازمة غيلان باريه وخطورة النكس
تصيب متلازمة غيلان باريه جميع الأعمار، إذ يبلغ معدل وسطي العمر للإصابة 35 عامًا. بالإضافة إلى أنها تميل لإصابة الئكور أكثر من الإناث بنسبة 3:1 وقد أشارت الدراسات السابقة إلى كونها هجمةً مناعيةً تصيب الإنسان ولمرة واحدة.
يحدث نكس للمرض خلال الأسبوعين (2 – 3) التالي للمعالجة. ويعتبر في حال حدوث نكس للمرض بعد الأسبوع الرابع من العلاج شكلًا مزمنًا من تناذر غيلان باريه.
في النهاية، تذكر أنه يساهم معرفة المرض واكتشافه باكرًا على تجنب اختلاطاته والبقاء سليمًا عن نتائجه السلبية. بالإضافة إلى معالجة الإنتان مبكرًا واستشارة الطبيب المختص فور ظهور أي عرض عصبي لاحق.