كثيرًا ما يقودنا التعاطف مع الأطفال الذين يعانون حالاتٍ مرضيةٍ ناتجةٍ عن قصور الغدة الدرقية إلى التساؤل ما علاج قصور الغدة الدرقية عند الأطفال، وهل يمكن تفادي حدوث مثل هذه الحالات. إذ تعتبر الغدة الدرقية إحدى الغدد الصماء الموجودة في جسم الإنسان. حيث تقع في مقدمة الرقبة، وتتكون من فصين متصلين. وتفرز ثلاثة أنواعٍ من الهرمونات هي هرموني النمو ثلاثي يود الثيرونين T3، والثيروكسين T4، إضافةً إلى الهرمون الببتيدي المعروف بالكالسيتونين. حيث يؤثر هرموني الثيرونين والثيروكسين على معدل الأيض، وتصنيع البروتين، كما يؤثران على نمو وتطور الأطفال. في حين يلعب الكالسيتوين دورًا هامًا في توازن الكالسيوم داخل الجسم.
تبدأ الغدة الدرقية بالتشكل عند قاعدة اللسان خلال الأسبوع الثالث أو الرابع من الحمل، ثم تنزل أمام القناة الهضمية البلعومية لتهاجر بعد عدة أسابيعٍ إلى قاعدة العنق. وتبقى أثناء ذلك متصلةً باللسان من خلال قناةٍ ضيقةٍ تدعى القناة الدرقية اللسانية. وفي نهاية الأسبوع الخامس من الحمل تتحلل هذه القناة لتهاجر الغدة الدرقية خلال الأسبوعين التاليين إلى موقعها النهائي.
تشمل اضطرابات الغدة الدرقية فرط الدرقية، وقصور الدرقية، والتهاب الدرقية، وتضخم الدرقية، وعقيدات الدرقية. إلا أن أكثر هذه الاضطرابات ظهورًا وتأثيرًا عند الأطفال هي اضطرابات قصور الغدة الدرقية، ولكنها اضطرابات قابلة للعلاج. هذا ما دفعنا عزيزي القارئ لنقدم لك طرق علاج قصور الغدة الدرقية عند الأطفال حتى تتمكن من حماية أطفالك من مضاعفات هذا الاضطراب.
أسباب قصور الغدة الدرقية عند الأطفال
قد يكون الأطفال الرضع، والأطفال الأكبر سنًا عرضةً للإصابة بنوعين من قصور الغدة الدرقية هما:
قصور الخلقي
ويظهر منذ الولادة، وتعود أسبابه إلى غياب الغدة الدرقية، أو عدم تطورها بشكلٍ كافٍ، أو ظهورها في مكانٍ خاطئٍ. وفي بعض الأحيان قد تتطور الغدة الدرقية بشكلٍ طبيعيٍ، غير أنها لا تقوم بإنتاج الهرمون الدرقي بصورة طبيعية، وقد يكون ذلك نتيجةً لاضطرابٍ في الغدة النخامية المسؤولة عن تنظيم الهرمونات في الجسم. كما يعتبر عدم حصول الأم أثناء حملها على كمياتٍ كافيةٍ من اليود سببًا هامًا للإصابة بهذا الاضطراب.
قصور مكتسب
يحدث بعد الولادة في وقتٍ لاحقٍ من الطفولة والمراهقة. وينجم عن التهاب الغدة الدرقية نتيجةً لمهاجمة الجهاز المناعي للجسم خلايا الغدة الدرقية، الأمر الذي يؤدي إلى تناقص إفراز الهرمون الدرقي.
أعراض قصور الغدة الدرقية عند الأطفال الرضع والأطفال الصغار
لا بد أن يكون الوالدان على درايةٍ تامةٍ بالأعراض والعلامات الرئيسية لهذا المرض، حتى لا يخلطا بينها وبين التطور الطبيعي في شخصية الطفل. وبالتالي يتمكنا من مراجعة الطبيب بأقصى سرعةٍ، إذ أن العلاج ممكن، وكلما كان ذلك في وقتٍ مبكرٍ كلما كانت النتائج أكثر إيجابيةً، ومن أكثر أعراض قصور الغدة الدرقية شهرةً عند الأطفال الرضع والأطفال الصغار:
- تأخر وفشل في النمو والذي يسبب قصرًا في القامة.
- سمات وجهٍ غير طبيعيةٍ، كتعابير الوجه الباهتة المائلة إلى الإصفرار، والانتفاخ، وأجفان العين المتدلية.
- إعاقة ذهنية.
- النعاس الزائد.
- تصلب العضلات، وفرط توترٍ تشنجيٍ.
- نقص السمع، وضخامة اللسان.
- سوء التغذية الناجم عن رفض الرضاعة الطبيعية.
- بكاء مبحوح بصوتٍ أجشٍ.
أعراض قصور الغدة الدرقية عند الأطفال الأكبر سنًا
تختلف أعراض قصور الغدة الدرقية عند الأطفال الأكبر سنًا والمراهقين عنها في حالات الأطفال الرضع، وتتمثل أبرز أعراضها عند الأطفال الأكبر سنًا بـ:
- زيادة الوزن على الرغم من ضعف الشهية.
- التعب والإرهاق.
- الإمساك.
- عدم تحمل البرد.
- النسيان وعدم التركيز.
- تقصف الشعر وجفافه.
- جفاف الجلد وتشققه وزيادة سماكته.
- تباطؤ النمو، وتأخر تطور الهيكل العظمي والنضج الجنسي.
تشخيص قصور الغدة الدرقية عند الأطفال
حتى يتمكن الطبيب المختص من تشخيص اضطراب قصور الغدة الدرقية بشكلٍ صحيحٍ لا بد من إجراء:
- فحصٍ سريريٍ، حيث تتضمن المظاهر السريرية لهذا المرض:
- اصفرارًا مستمرًا.
- إمساكًا.
- تضخم اللسان.
- ترهلًا في العضلات.
- قلة النشاط والخمول.
- فحوصات دم: حيث تؤخذ عينات دمٍ من كل المواليد الجدد قبل إرسالهم إلى البيوت للتأكد من مستويات:
- هرمون الثيروكسين.
- هرمون الغدة النخامية.
- فحص الأجسام المناعية المضادة للغدة الدرقية.
- تصوير إيكو للغدة الدرقية.
- تخطيط الغدة الدرقية بالنظائر المشعة.
- أخذ خزعةٍ من الغدة الدرقية في حال وجود عقدةٍ فيها.
وقد ساعدت هذه الفحوصات في الكشف المبكر عن حالات قصور الغدة الدرقية، والمباشرة في علاجها. الأمر الذي أدى إلى انخفاضٍ واضحٍ في حالات تأخر النمو العقلي الناتجة عن هذا الاضطراب.
علاج قصور الغدة الدرقية عند الأطفال
يعتمد علاج قصور الغدة الدرقية عند الأطفال على تعويض النقص في الهرمون من خلال إعطاء الثيروكسين الصناعي على شكل مضغوطاتٍ تؤخذ عن طريق الفم تعرف باسم الليفوثيروكسين. وقد يحتاج معظم الأطفال إلى تناول هذه الهرمونات التعويضية طوال حياتهم. ويجري طحن هذه المضغوطات للأطفال الصغار وحلها بكميةٍ قليلةٍ من الماء ليتمكنوا من تناولها. كما تعتمد كمية الهرمون المعطى على عمر الطفل، حيث تقلل هذه الجرعة مع تقدم الطفل في السن. إذ تتراوح هذه الكمية بين عشر ميليغراماتٍ وخمسة عشر ميلي غرامًا لكل كيلو غرامٍ من وزن الطفل يوميًا. في حين تبلغ كميتها للأطفال فوق الاثني عشر عامًا واحدًا فاصلة سبعة ميلي غراماتٍ لكل كيلو غرامٍ من وزن الطفل يوميًا.
ويعمل الليفوثيروكسين على تنشيط الغدة الدرقية، وعندما تصل هذه الغدة إلى حوالي سبعين بالمئة من قوتها، يوقف العلاج حيث ستصل إلى كامل قوتها مع الوقت. ويجب الانتباه إلى عدم إعطاء الثيروكسين المصنع بالتزامن مع حليب الصويا، أو مكملات الحديد والكالسيوم لأن هذه المكملات تقلل من امتصاص هرمون الثيروكسين الصنعي. أما في حال وجود أورامٍ أو عقدٍ في الغدة الدرقية فقد يكون العلاج بالاستئصال الجراحي هو الأنسب لحل هذه المشكلة.