شكري القوتلي Shukri Al Quwatli السيرة الذاتية

امتلأت حارات سوريا وضواحيها بالشخصيات الوطنية التي ما برحت تصارع الإرهاب والمحتل حتى آخر رمق من الحياة. ولقد تغنت وصدحت الحناجر لسنوات عدّة بأهازيج مدح الأبطال الوطنيين. حيث أناروا بدمائهم فتيل الضوء لمن عبروا بعدهم من الجماهير. وكان أحد هؤلاء الرجال الوطنيين القائد شكري القوتلي Shukri Al Quwatli الرئيس الأول للجمهورية السورية. كان سِيَاسِيًّا بارزًا ضمن فترة النضال ضد العثمانيين والفرنسيين من بعدهم وحكم عليه بالإعدام لثلاث مرات ولكنه نجا من هذه الأحكام حتى حصلنا على الاستقلال. لذا فإننا في مقالنا هذا في موقع كيف سنطلعكم على شكري القوتلي Shukri Al Quwatli هذا الرجل السياسي والوطني بامتياز فابقوا معنا.

من هو شكري القوتلي Shukri Al Quwatli

من هو شكري القوتلي Shukri Al Quwatli

شكري القوتلي Shukri Al Quwatli هو رئيس الجمهورية السورية الذي حكم سوريا لفترتين من الزمن بين عامي 1943 – 1949 ومن ثمّ 1955 – 1958. يعتبر هذا الرجل أحد الزعماء السياسيين الذي نشط في الكتلة الوطنية ضد الانتداب الفرنسي. حيث بدأ نشاطه السياسي في مقارعته للسلطات القائمة أواخر الاحتلال العثماني، ومن ثم الانتداب الفرنسي. حيث نفي إلى أرواد على إثر مشاركته في الثورة السورية الكبرى كما حكم عليه بالإعدام. وبعدها لجأ إلى مصر، واستمر من هناك في مقارعة الانتداب. وبلغ مجمل أحكام الإعدام التي شملته ثلاثة إلا أنه نجا منها.

شارك شكري القوتلي Shukri Al Quwatli في حكومة الكتلة الوطنية الأولى سنة 1936 بمنصب وزير الدفاع، وذلك قبيل سطوع اسمه كمرشحٍ لخلافة هاشم الأتاسي برئاسة الكتلة. وهذا ما أوصله لكرسي الرئاسة السورية سنة 1943. حيث استقلت سورية استقلالها التام في عهده. ولقد عرف كناشط عربي وقومي ومارس دورًا هامًا في تأسيس جامعة الدول العربية، إضافةً إلى حرب فلسطين الأولى. كما كان له موقف داعم لجمهورية مصر العربية أثناء العدوان الثلاثي. صنع شكري القوتلي جمهورية الوحدة السورية المصرية مع الرئيس جمال عبد الناصر. كما أطلق عليه لقب “المواطن العربي الأول”، أما في سوريا، أطلق على شكري القوتلي Shukri Al Quwatli لقب “أبو الجلاء.”

اقرأ أيضًا: يوسف العظمة وأهم إنجازات بطل ميسلون

بدايات شكري القوتلي Shukri Al Quwatli

ترجع بدايات شكري القوتلي التي أوصلته لما كان عليه إلى انتمائه لعائلة عريقةٍ جعلته يتعلم بشكل احترافي على الصعيد الشخصي والديني حيث تعلّم شكري القوتلي القرآن الكريم في دمشق إضافةً لدراسته اللغة الفرنسية ضمن مدرسة الآباء العازاريين بباب توما. ومن ثم انتقل لمدرسة مكتب عنبر الواقعة خلف الجامع الأموي ليحصل منها على شهادته الثانوية. وكانت تلك المدرسة ملكيةً قديمةً لعمه مراد القوتلي، حيث باعها للوجيه اليهودي يوسف عنبر عام 1869م.

كما أعجب شكري القوتلي بسيرة الفاروق عمر بن الخطاب  -رضي اللّه عنه- وبرع بحفظ الشعر كأشعار المتنبي والفرزدق. ولم يقتصر حفظه على الشعر بل تجاوزه ليحفظ القرآن الكريم. بعدها سافر إلى تركيا وتحديدًا إلى إسطنبول سنة 1908م، حيث التحق بالمعهد الشاهاني الملكي، وكان المعهد حينذاك أرقى مدارس العاصمة العثمانية. وهناك تخرج القوتلي عام 1913م منه، حاملًا الشهادة العليا بالعلوم السياسية والإدارية.

الحياة الشخصية لشكري القوتلي Shukri Al Quwatli

ولد شكري القوتلي بحي الشاغور في يوم 21 تشرين الأول 1891م. ينتمي لعائلة عريقةٍ أتت من الحجاز واستقرت في دمشق بداية القرن الثامن عشر. عمل رجال هذه العائلة بالتجارة والزراعة، وكانوا طوال القامة أقوياء البنية ولذا لقبوا بالقوتلي. كان والده محمود القوتلي أحد الأعيان في دمشق وقد وافته المنية عام 1914م. أما جده عبد الغني القوتلي، فكان من كبار المحسنين في دمشق وقد ذكره محمّد كرد علي في مذكراته قائلًا: “قد تلد الولّادة مثل عبد الغني القوتلي ولكن أعظم منه بالأخلاق وكرمه فلا.” إذًا انتسب شكري القوتلي Shukri Al Quwatli إلى عائلةٍ عريقة فكان جديرًا بالافتخار بأصوله التي ينتسب إليها. اقترن شكري القوتلي بالسيدة بهيرة الدالاتي، بنت محمّد سعيد الدالاتي في مصر. وكان محمد سعيد الدالاتي أحد الرفاق في السجن في أيام العثمانيين.

اقرأ أيضًا: يوسف العظمة Yusuf al Azma سيرته الذاتية

الحياة المهنية لشكري القوتلي Shukri Al Quwatli

حياة شكري القوتلي Shukri Al Quwatli المهنية

عمل شكري القوتلي Shukri Al Quwatli عملًا سِرِّيًّا ضد الحكومة العثمانية الاتحادية وذلك عند عودته لدمشق. فقد عين كموظف في مكتب الوالي العثماني. ومن ثم انتسب بصورةٍ سريةٍ للجمعية العربية الفتاة الناشئة في باريس والتي أسسها مجموعة من الطلاب العرب. هدفت هذه الجمعية لتحرير البلاد العربية من العثمانيين والنهوض بالأمة العربية من واقعها المرير. ومن ثم بايع شكري القوتلي الشريف حسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية سنة 1916م. وبعد ذلك نقل السلاح والأموال لثوار الحجاز فاعتقل بأمرٍ من جمال باشا والذي كان الحاكم العسكري لولاية سوريا.

وبعد ذلك طلب شكري القوتلي Shukri Al Quwatli من أحد الحراس أن يحضر له شفرةً داخل رغيف خبز، وعندما حصل عليها قطع شرايين يده اليسرى محاولًا أن ينتحر كي لا يزود العثمانيين أسماء رفاقه ضمن الحركة الوطنية. وقد سالت دماؤه داخل السجن وعالجه الطبيب أحمد قدري، والذي كان واحدًا من قادة جمعية الفتاة المعتقلين في زنزانة مجاورة. حول شكري القوتلي Shukri Al Quwatli إلى المستشفى الحميدي بحي البرامكة، وهناك قضى 25 يومًا. ومن ثم أرجع شكري القوتلي لسجن خان باشا حتى انتهت الحرب العالمية الأولى وسقط الحكم العثماني بدمشق بنهاية شهر أيلول 1918م.

حزب الاستقلال العربي

خرج شكري القوتلي Shukri Al Quwatli من السجن، عاد لعمله الحكومي. حيث تولى منصب مدير رسائل ولاية دمشق بإشادة من الوالي علاء الدين الدروبي. وكان هذا بعد أن تحررت البلاد من الحكم العثماني وأقيمت حكومة عربية ترأسها الأمير فيصل بن الحسين، ابن الشريف حسين، في 3 تشرين الأول 1918. انضم شكري القوتلي يومها لحزب الاستقلال العربي الذي تشكل بعد نهاية الجمعية العربية الفتاة، ونادى بتحرير الأمة العربية من الاستعمار الأجنبي وتوحيدها ضِمن حُدودها الجُغرافية الطبيعية.

وعلى اعتبار أنَّ حزب الاستقلال العربي كان مُقربًا من الأمير فيصل، الذي بايعه السوريون كملكٍ عربي عليهم في يوم 8 آذار 1920م. فعندما نشبت معركة ميسلون ضد الجيش الفرنسي سقط العهد الفيصلي في 24 تموز 1920. حيث خُلع الملك فيصل الأول عن العرش كما فُرض الانتداب الفرنسي بالقوة على سورية ولبنان، تحقيقًا لما ورد في اتفاقية سايكس بيكو التي وقعتها حكومتي كل من فرنسا وبريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى.

وكانت أولى القرارات التي سنّها المندوب السامي الفرنسي هنري غورو إصدار قرار إعدام بحق شكري القوتلي Shukri Al Quwatli، وذلك تبعًا لنشاطه القومي ومناهضته للحكم الفرنسي الجديد. وعندئذ هرب القوتلي إلى مصر بدعوة من الملك أحمد فؤاد الأول وبقي في القاهرة كلاجئ سياسي.

المؤتمر السوري الفلسطيني

شارك شكري القوتلي Shukri Al Quwatli بتأسيس المؤتمر السوري الفلسطيني، وهو أول تنظيم سياسي لتوحيد الوطنيين العرب ضد الانتداب الفرنسي في سورية ولبنان، والبريطاني في فلسطين في المنفى. أسس المؤتمر في جنيف وضمّ مجموعةً من السوريين، أولهم شكري القوتلي Shukri Al Quwatli، إضافةً إلى الرئيس الأسبق للبرلمان السوري الشيخ رشيد رضا، والصحفي خير الدين الزركلي، إضافةً إلى صاحب المكتبة العمومية بدمشق الحاج أديب خير. كما ضم المؤتمر السياسي حسن الحكيم بالإضافة إلى وزير الخارجية الأسبق في عهد الملك فيصل الأول الدكتور عبد الرحمن الشهبندر.

كما ترأس المؤتمر الأمير اللبناني المسيحي ميشال لطف الله. ولقد كان مُقرباً من الأسرة الهاشمية الحاكمة يومها في الأردن والعراق. اعتمدت أعماله على التمويل الشهري من الشريف حسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى. وتبعًا لطيب العلاقة مع الهاشميين، لم يحصل الأمير ميشيل لطف الله على أيّ دعم مالي من الملك عبد العزيز آل سعود. فلقد كان ثمة عداء تاريخي بين الشريف حسين وعبد العزيز آل سعود، فأرسلوا شكري القوتلي إليه، لطلب الدعم للمؤتمر السوري الفلسطيني.

رفض الملك عبد العزيز أن يدعم تيار الهاشميين، ولكنه دعم شكري القوتلي Shukri Al Quwatli ورفاقه المستقلين عن الشريف حسين، مما سبب نشوب خلاف جوهري ضمن صفوف المؤتمر السوري الفلسطيني، ما بين شكري القوتلي كطرف مع الأمير ميشيل والشهبندر بالطرف المقابل. ونشأت علاقة قوية بين شكري القوتلي مع الملك السعودي. حيث دعم القوتلي معارك الملك عبد العزيز آل سعود ضد الهاشميين في الحجاز. كما أرسل عددًا من المستشارين السوريين ليساهموا بتأسيس المملكة العربية السعودية. ومنهم الشيخ اللاذقاني يوسف ياسين، الذي بات فيما بعد وزيرًا لخارجية السعودية، إضافةً إلى الأطباء الدمشقيين رشاد فرعون ومدحت شيخ الأرض.

الثورة السورية الكبرى

بقي شكري القوتلي Shukri Al Quwatli في المنفى بين فلسطين ومصر وأوروبا حتى سنة 1924م. ومن ثم استطاع العودة إلى دمشق بعد أن صدر عفو فرنسي عنه. وبعد هذا بسنة في آب 1925 انطلقت الثورة السورية الكبرى حيث دعمها القوتلي. وانتقل القوتلي مع ثلةٍ من الوطنيين القادة إلى السويداء. حيث شارك القوتلي في الاجتماع الذي عُقد للمطالبة بسلطان باشا الأطرش كقائد عام للثورة السورية الكبرى. وهدفت هذه الثورة إلى وحدة واستقلال البلاد. كما شرعوا بتنظيم انتخابات جمعية تأسيسيّة لوضع دستورٍ للبلاد من أجل تحقيق سيادة الأمّة والحُرية والمُساواة والإخاء لكافة السوريين. حينها باع القوتلي كل أملاكه في الغوطة الشرقية لأخيه عادل القوتلي، وبثمنها اشترى سلاحًا للثوار، ومن ثم تولى دفع رواتب للثوار. بلغت رواتبهم الشهرية ليرتين ذهبيتين.

وقد بلغت قيمة تبرعات القوتلي للحركة الوطنية حينذاك قرابة نصف مليون ليرة ذهبية. كما جمع تبرعات للثورة السورية الكبرى من الجاليات العربية القاطنة في المغترب. وذلك بمساعدة صديقه الصحفي الفلسطيني محمّد علي الطاهر، بالإضافة إلى الدمشقي محبّ الدين الخطيب وأيضًا قائد حركة تونس الفتاة، عبد العزيز الثعالبي. كما اجتمع في مصر بسعد باشا زغلول، وكان هذا زعيمًا لحزب الوفد، حيث دعم الثورة السورية الكبرى عن طريق شكري القوتلي دعمًا مَالِيًّا كبيرًا. وفي 26 أغسطس/آب قبض على القوتلي مع ثلةٍ من الزعماء القوميين كان أحدهم عبد الرحمن الشهبندر إضافةً إلى جميل مردم بك وآخرون، ومن ثم نفوا إلى جزيرة أرواد. وبعد أن أطلق سراحه، ترك شكري القوتلي Shukri Al Quwatli سوريا من جديد نتيجة صدور حكم إعدام آخر عليه، فما كان من الفرنسيين إلا أن دمروا منزل أسرته في الشاغور.

ومن ثم في 16 شباط/ فبراير 1926م صدر عفو عام عن كافة الجرائم المرتكبة أثناء الثورة.وكان هذا العفو من نصيب سبعين شخصية وأحدها كان شكري القوتلي Shukri Al Quwatli.

تولي شكري القوتلي لمنصب رئيس الجمهورية

تولى شكري القوتلي منصب رئاسة الجمهورية في 17 أغسطس 1943 – 29 مارس 1949 لأول مرة. ومن ثم تولى المنصب مرةً أخرى في 5 سبتمبر 1955 – 22 فبراير 1958. سافر شكري القوتلي إلى مصر للتوقيع على ميثاق الوحدة السورية المصرية في شباط 1958م، حيث تنازل بشكل طوعي عن رئاسة الجمهورية العربية المتحدة لصالح الرئيس عبد الناصر، ولقد كرّمه الرئيس جمال عبد الناصر وقال عنه إنه “المواطن العربي الأول” كما قال إنه “الوجه العربي المشرق لسوريا”.

وبعد هذا شعر شكري القوتلي أن هذه الوحدة لم تكن لصالح سوريا وأنها جاءت على عكس توقعاته ولذا فقد قام بانقلاب عليها وفك هذه الوحدة. ولكنه لم يعد للرئاسة بعد هذا.

اقرأ أيضًا: ذكرى عيد الجلاء في سوريا

وفاة شكري القوتلي Shukri Al Quwatli

توفي شكري القوتلي في يوم 30 حزيران 1967م في بيروت عن عمر يناهز 75 عامًا بعد تعرضه لذبحة قلبية فور سماعه نبأ احتلال هضبة الجولان من قبل إسرائيل. حيث أُعيد جثمانه لمدينته دمشق ملفوفًا بالعلم السوري. حيث توسط له الملك فيصل بن عبد العزيز. وأقيمت له جنازة شعبية مهيبة لم يسبق أن أقيم مثلها من قبل في دمشق. صُلي على شكري القوتلي في الجامع الأموي ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق.

ختامًا لما ذكرناه عن حياة شكري القوتلي فإننا لا نستطيع إنكار دور هذه القامات الوطنية في الحياة السياسية التي رسمت خارطة بلدنا الحبيب. والتي جعلت من سوريا هذه الأيقونة التي لا يمكن للزمان أن يمحي دورها وحضارتها. نأمل أن يكون مقالنا قد قدم لكم كل فائدة ومتعة ودمتم بخير.

Scroll to Top