ذكرى المولد النبوي الشريف في السودان، من الأعياد التي تحمل طابعًا خاصًا، يتمثل بالكثير من الطقوس الدينية. إنه اليوم الذي غيّر خطوة العالم، وأعطى الدنيا مستقبلًا لا يقبل النكران وماضٍ نشتاق إليه ولم نرَه، ونحنّ من خلاله إلى وجوه لم نلتقيها وأشخاص لم نقابلها، اليوم الذي ولد فيه خاتم الأنبياء والمرسلين، البدر المنير الذي رسم لوحة أخرى للعالم، وكسر أساسات الجهل وقواعد الليل، ليزرع في نفوسنا الضوء، ولكي ينمو الإيمان على قلوبنا وضمائرنا. إذ أنه يعد يومًا مجيدًا ينتظره السودانيون بحب وشوق، وبما أن النسبة العظمى من سكان السودان، هم مسلمون، لذلك ينعكس، هذا الأمر على مظاهر البلاد كلها، فتتزين البلاد والأنفس، ويرتدي كل شيء حتى الفراغ حلةً جديدةً، ويتأهب كل شيء لاستقبال عيد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، سيد الخلق وقدوة الناس.
ذكرى المولد النبوي الشريف في السودان
على صوت الخُطب في الجوامع، وبتكبيرٍ وتهليل، تستقبل السودان عيد المولد النبوي الشريف. ومن الطبيعي أن يكون هذا اليوم يومًا مختلفًا بكل مكوناته وأفكاره وعاداته. إذ يبدأ السودانيون استقبال يوم المولد قبل ١٢ يومًا منه، وتتصاعد الابتهالات حتى تصل لقمّتها في يوم المولد.
تختلف طرق الاحتفال على حسب المنطقة والمكان في السودان، وكلّ له طريقته في استقبال هذا اليوم. ولكنّهم يشتركون بحماسهم وسعادتهم. تجتمع العائلات وتتبادل التهاني. كما تمتلئ الجوامع بالمسلمين وهم يسمعون خطاب الإمام عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتدوم لساعات طويلة، وكأن النبي يزور قلوب المسلمين قلبًا، فتنفرج النفوس وتمتلئ الوجوه بالسعادة، والصدور بالطمأنينة والحب.
أيضًا من الطوائف، منهم مَن يقيم الولائم ويزين الشوارع، ويعملون على الصيام والزكاة. كما أن بعضهم يقوم بتلاوة القرآن، ليكون المولد النبوي الشريف هو اليوم الذي يختم فيه القرآن قراءةً. وكأنّه تتويجٌ لهذه التلاوة، وتأكيدَا على أن تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم تقف نُصب أعينهم لا تزحزحهم عنها الحياة ولا أحداثها. تعد ذكرى المولد النبوي الشريف في السودان يومًا مقدّساً وتأريخًا صحيحًا للعالم. ففي هذا اليوم، أرسل الله نبيّه العظيم منقِذًا من الغرق في ظلمات الجهل الجاهلية، وصوتًا واضحًا للحق. يشدّ على يده الواحد الأحد، ليكوّن للعالم صورة لا تقبل الشك ولا تعرف الإمعان، لأنها واضحةٌ جليّة كعين الشمس..
مظاهر عيد المولد النبوي الشريف في السودان
لهذا اليوم قد أتقن السودانيون شتى أنواع الاحتفال. كما اعتادوا على منح يوم المولد النبوي شكلًا ليس له نظير ولا يقابلهُ مقابل، لأنه يشكّل يومًا مُنتظرًا وعظيمًا لا يقبلون الفتور فيه ولا الإغفال.
لذا من أشهر ما يفعل السودانيون هو الزفة وتنتهي بالوقفة. تبدأ الاحتفالات بداية شهر ربيع الأول، ويكون على رأسها الزفة، والزفة هي مواكب المسلمين التي تنطلق في الشوارع محتفلةً بعيد المولد النبوي الشريف. مصحوبةً بالأهازيج والأناشيد الدينية، وينطوي بين طيات هذه الأجواء الفرح والسعادة وشتى أنواع الطرق في التعبير عن مدى أهمية هذا اليوم. كما أن هذه الابتهالات تضفي الحماس في قلوب المسلمين وتؤكد صدق مشاعرهم وأمانيهم.
وتستمر الاحتفالات في الزفة حتى الوقفة، والوقفة هي المكان المخصص لاستكمال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف. حيث يجتمع الكثير من المسلمين، ويحتشدون بأعداد كبيرة داخل الخيام المزينة والمضيئة. ويضج المكان بالتجمعات التي تتفرد كل واحدة منها بحديث أو عمل مختلف، فمنها من يكون يسرد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يحدّث أحاديثه. كما يجتمعون في الساحة المخصصة للاحتفال ويتبادلون التهاني ويقدمون القرابين ويوفون النذور.
وأيضًا في المنازل السودانية، سيشق ضوء عيد المولد النبوي الشريف الطريق إليها. حيث يتجهز الأطفال بأبهى الثياب، ويحاولون مراجعة الأحاديث النبوية كي يقرأوها في أيام الاحتفال على مسامع العائلة، الأمر الذي يعزز محبة النبي في قلوب ويرشدهم للاستقامة منذ الطفولة ويعزز انتماءهم للدين الصحيح. كما يقوي الترابط بين أفراد الأسرة الواحدة.
الجانب الآخر من عيد المولد النبوي في السودان
لا تقتصر ذكرى المولد النبوي الشريف في السودان على الجانب الديني فقط. بل لها امتدادات أخرى. إذ يغتنمها الدراويش والباعة المتجولين والأطفال. حيث يقوم بعضهم بصناعة أشكال الحلوى وبمختلف مذاقاتها. مستغلين الحشود الكبيرة في الساحات، إن كان في موكب الزفة أو في اجتماعهم في ساحة الوقفة. كما يعد بيع الحلوى من المظاهر الأساسية للاحتفال. ومنهم من يتفننون في الصناعة الخشبية والتحف والتي تشكل رموزًا دينية. كما أن بعضهم يبيع الفول والحمص، وهذا ما يختلف عن الفولية والحمصية، والتي هي عبارة عن شكل من أشكال الحلويات المشهورة في ذكرى المولد النبوي الشريف في السودان. لا ينتهي الأمر عند ما ذكرنا، بل وتباع الملابس والعمامات والأقمشة المصنوعة يدويًا.
الأمر الذي يحقق دخلًا جيدًا لهؤلاء الباعة، وقد يكفيهم ما يدخروه من هذه الاحتفالات لشهور عدة. ما يجنبهم الوقوع في المشكلات المادية، ويحقق ارتياحًا أسريًا يمتد ليصل كل الدراويش في البلاد.
هل يعد يوم المولد عطلة رسمية في السودان
تحتفل الدولة والمسلمون في ذكرى المولد النبوي الشريف في السودان. لذلك أقرت الحكومة السودانية هذا اليوم يوم عطلة رسمية. تعطل فيها كافة المؤسسات الحكومية والخاصة. ينطبق القرار على المدارس والجامعات والدوائر الحكومية وغيرها من القطاعات. مع العلم أن المحال التجارية ومحال الحلويات والبقاليات لا تقوم بالإغلاق، بل تكون في ذروة عملها، مستفيدةً كغيرها من أجواء الاحتفالات.
لماذا نحتفل في عيد المولد النبوي الشريف
من الطبيعي أن نخرج ما في قلوبنا من الفرحة والفخر في يوم المولد النبوي الشريف، وأن نحتفل بحماستنا المطلقة وقلوبنا المشتاقة. نحتفل لأننا أمام يوم بدل مصير العالم، وأفرد للكون جناحين من الحب من العظمة. كما أنه اليوم الذي تجلّت من خلاله القدرة الإلهية وعظمة الواحد الأحد، حين اصطفى المصطفى، وأممه على الخلق، فكان خير الناس وأنقى البشر. حيث انتصر المظلوم وحقّ الحق وقاتل الباطل. كما أعطانا الوصايا والتعليمات وعلمنا الحياة بالطريقة الصحيحة. فمن الأجدر لنا أن نحتفل في عظيم كمولد النبي صلى الله عليه وسلم.
قصيدة في يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم
قيل الكثير من القصائد في حب النبي صلى الله عليه وسلم، وتعددت الطرق والغاية واحدة. لذلك سنختار لكم الآن قصيدة عصماء في مديح النبي، وهي القصيدة التي حازت على لقب شاعر الرسول. من قصيدة النبي للشاعر جمال الملا: