مع ارتقاء مستوى الثقافة الطبية عند كثير من الناس حول العالم ازدادت الاستفسارات حول أسباب، وعلاج “داء مينيير” (Ménière’s Disease) الذي سمي نسبةً للطبيب الفرنسي “Prosper Ménière“، والذي كان أول من بين أن حدوث الدوار ناتج عن اضطرابات في الأذن الداخلية، وذلك في مقال نشره عام 1861.
ترك الطبيب الفرنسي لغزًا جديدًا لأطباء العصر الحديث، وعلمائه الذين لا يألون جهدًا في سبيل ترك بصمتهم في عالم الطب. باكتشافهم أسباب كل مرض، وداء، بالإضافة إلى فهم الآلية الفيزيولوجية لحدوثها، وطرق علاجها، والوقاية منها. كل ذلك حتى ترتفع مؤشرات الصحة البشرية إلى أعلى المستويات الممكنة.
فما هو داء مينيير؟ ومن يصاب به؟ ما هي أسباب، وعلاج داء مينيير؟ ما طرق تشخيص الإصابة به؟ وما آخر العلاجات التي توصل إليها الطب، وما مدى فعاليتها في علاج داء مينيير؟
ما هو داء مينيير
“داء مينيير” أو كما يسميه بعض الأطباء “الاستسقاء اللمفاوي الباطن مجهول السبب” هو أحد أكثر أسباب الدوار شيوعًا. يُعرّف طبيًا بأنه اضطراب مزمن في الأذن الداخلية يؤثر على مراكز التوازن، والسمع فيها. يمكن أن يصيب داء مينيير الأذنين معًا، لكن في أغلب الحالات يصيب أذنًا واحدةً، فيسبب الصمم، وطنين الأذن. كما يولد عند المريض إحساسًا بانسداد الأذن.
ما هي أسباب داء مينيير
لم يتمكن الأطباء من تحديد العامل المسبب لداء مينيير بدقة حتى اللحظة، لكن لفهم أسباب حدوثه، والآلية الفيزيولوجية لها لا بد من فهم التراكيب التشريحية للأذن الداخلية، وآلية عملها بدايةً.
تتكون الأذن الداخلية من قسمين رئيسين، وهما القوقعة (عضو السمع)، والجهاز الدهليزي (عضو التوازن). تأخذ القوقعة شكلًا أنبوبيًا مجوفًا كصدفة الحلزون، وهي ممتلئة بسائل يدعى اللمف. أما الجهاز الدهليزي، فهو يتألف من ثلاث أقنية هلالية متعامدة مملوءة باللمف. إن أي تحرك للملف سينبه المستقبلات الموجودة في الأذن الداخلية لترسل سيالات عصبية للدماغ، فيترجمها الدماغ، ويفهم وضع الجسم، وحركته أيضًا، ويرسل بالمقابل إشارات للجسم ليحافظ على توازنه، وكذلك الأمر بالنسبة للأصوات.
في داء مينيير تكون كمية اللمف غير طبيعية، فتتداخل المستويات العالية للمف مع السيالات الصادرة عن الدماغ. مما يسبب أعراض داء مينيير.
من يصاب بداء مينيير
داء مينيير واحد من الأمراض المزمنة التي تصيب أعدادًا كبيرةً من الناس في كافة أنحاء العالم كل عام. بينت الأبحاث التي أجراها أطباء أخصائيون في المعهد الوطني للصمم، واضطرابات التواصل الأخرى (NIDCD) في الولايات المتحدة الأمريكية أن أي شخص معرض للإصابة بداء مينيير، لكنه أكثر شيوعًا في فئة البالغين (40-60 سنةً). كما بينت الأبحاث أن هناك علاقة بين داء مينيير، والتاريخ العائلي للإصابة به. أي أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي للإصابة بداء مينيير هم أكثر عرضةً للإصابة به.
ما هي الأعراض المرافقة لداء مينيير
في أغلب الحالات تتطور الحالة المرضية المرافقة لداء مينيير من دون علامات تحذيرية أو أعراض أولية، لكن بمجرد الإصابة بداء مينيير تتطور الأعراض التي يمكن إجمالها بما يلي:
- في البداية، غالبًا ما يعاني المرضى من الإحساس بضغط في الأذن أو شعور بانسدادها.
- طنين في الأذن المصابة.
- الشعور بالدوار أو الدوخة، يستمر هذا الشعور بضع دقائق، وقد يستمر لساعات. كما تختلف درجة الدوار أيضًا، فمن الممكن أن يكون شديدًا إلى الدرجة التي يعجز عندها المريض عن الوقوف، والتوازن.
- الشعور بالغثيان، والرغبة بالتقيؤ، بالإضافة إلى التعرق الشديد.
- نقصان في السمع، إذ عادةً ما يفقد المريض القدرة على سماع الأصوات ذات الترددات المنخفضة في البداية، إلا أنه في الحالات المتطورة من الداء قد يقفد المريض القدرة على سماع الترددات الأعلى أيضًا.
- من الممكن أن يتعافى المريض من نقصان السمع، وذلك بين هجمات المرض، لكنه قدرته على السمع ستتراجع بشكل أكبر مع مرور الوقت.
ينبغي أن نعلم أيضًا أن هجمات داء مينيير تختلف في شدتها، وفي موعد حدوثها أيضًا، فمن الممكن أن تحدث أكثر من مرة في يوم واحد أو بضع مرات في السنة.
كما أن هناك أعراضًا أخرى لداء مينيير، وعلى الرغم من كونها أقل شيوعًا، لكن يجب أخذها بعين الاعتبار وهي تشمل:
- الصداع.
- وجع البطن.
- إسهال.
- حدوث حركات في العين لا يمكن السيطرة عليها.
الآن وبعد اطلاعك على أعراض داء مينيير. لا تتوانى عن استشارة الطبيب المختص (طبيب أذن أنف حنجرة) في حال كنت تعاني أحد هذه الأعراض.
تشخيص الإصابة بداء مينيير
هناك مجموعة من الخطوات الروتينية التي يلجأ إليها الاطباء لتشخيص الإصابة بداء مينيير، وهي:
في البداية طرح مجموعة من الأسئلة، مثل:
- متى بدأت هجمات المرض؟
- ما هي شدة الهجمات؟
- كم من الوقت تستمر الهجمة؟
- هل ينتابك إحساس بفقدان السمع أو انسداد الأذن؟
- سيسألك أيضًا ما إذا كنت تعاني من طنين الأذن؟
بعد أخذ التاريخ الطبي للمريض. يطلب الأطباء إجراء مجموعة من الاختبارات مثل: اختبار السمع للتحقق من أي ضعف دائم في السمع، بالإضافة إلى اختبار تحفيز السعرات الحرارية للتحقق من الانعكاس بين النظام الدهليزي المسؤول عن التوازن، وعضلات العين، وذلك عن طريق تدفئة أو تبريد اللمف الموجود في الأذن الداخلية.
قد تشمل الاختبارات أيضًا التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) للدماغ مع التباين. بهدف استبعاد أورام المخ أو الأسباب الأخرى المحتملة للدوار، وفقدان السمع.
في النهاية، وبعد الانتهاء من هذه الاختبارات، سيكون بمقدور الطبيب تأكيد الإصابة بداء مينيير أو نفيها.
كيفية علاج المصابين بداء مينيير
عادةً ما يتحسن مريض داء مينيير مع مرور الوقت. أما الخطة العلاجية فهي تبدأ أولًا بعلاج الدوار الذي قد يكون منهكًا لمريض، وبمجرد علاج الأعراض الرئيسة سيشعر المريض بتحسن كبير.
وأولى خطوات العلاج تكون باتباع نظام غذائي قليل الملح. كما يمكن للطبيب المختص وصف مدر البول، وذلك لتخفيف ضغط السوائل في الأذن الداخلية. تستخدم أدوية علاج الدوار من حين لآخر تبعًا لتوصيات الطبيب، وأكثرها استخدامًا “الميكليزين“، و”ديازيبام“، و”جليكوبيرولات“، بالإضافة إلى “لورازيبام“. إحدى الخيارات العلاجية أيضًا هي الحقن المباشر لـ”الستيروئيد” من “الجنتاميسين” في الأذن.
متى يستطب العلاج الجراحي لداء مينيير
في الحالات الشديدة لداء مينيير، تستطب الجراحة، والتي تهدف إلى إعادة توجيه اللمف في الأذن الداخلية، وبالتالي التخفيف من الضغط عليها.
كما يعد قطع العصب الدهليزي إجراءً ضروريًا في حالات خاصة،بحيث يكون فقدان السمع قد تطور إلى درجة كبيرة. لذلك، وبهدف إيقاف الدوار يلجأ الأطباء إلى إزالة مستقبلات السمع في الأذن الداخلية لتثبيط عملها في إرسال السيالات العصبية، والتي ينتج عنها في نهاية المطاف الشعور بالدوار.
قصارى القول إن داء مينيير هو أحد أكثر أسباب الدوار شيوعًا، إذا كنت تعاني أو أحد أفراد أسرتك من أية أعراض، فقد أصبحت على دراية بما عليك فعله. الجسم البشري في غاية التعقيد، والتنظيم، فإذا أرسل لك إشارات غريبةً، فاستمع له جيدًا، ولا تتجاهلها!