نقدم لكم قراءنا وإخواننا المؤمنين أئمة الوطن العربي والعالم الإسلامي خطبة المولد النبوي الشريف قصيرة، بقلوبٍ مفعمةٍ بالحب والإيمان، ومتشوقةً للقائكم في فناء أفضل خلق الله سيدنا ونبينا محمد المصطفى عليه صلاة الله وأزكى السلام.
إخواننا المؤمنين لقد غدت خطبة المولد النبوي الشريف طقسًا من طقوس هذه المناسبة التي لا تعادل عظمتها مناسبة في التاريخ. ففي هذا اليوم تمتلئ أروقة المساجد وساحتها بأصوات الأئمة والمؤمنين الداعية إلى هدي رسول الله والاقتداء بسيرته وصفاته ومناكبه. وقد وجدنا في منصة كيف أنه من المناسب أن نغتنم هذه الفرصة لنهنئكم بحلول هذه المناسبة العظيمة، ثم نقدم لكم خطبة المولد النبوي الشريف المميزة بعنوان اخترناه لها ” نبراس الأئمة وسراج الظلمة”. وقد راعينا في هذه الخطبة كل ما يمكن أن يجعل منها خطبةً مستوفيةً لكل ما له علاقة بهذه المناسبة الميمونة. كما استشهدنا بآياتٍ من الذكر الحكيم تارةً، وبالأحاديث النبوية والسيرة الشريفة تارةً أخرى. آملين أن تجدوا فيها ما يفعم قلوبكم بالحب والإيمان والعطف والرحمة بالإخوان، سائلين الله العزيز القدير أن ينالنا وأياكم منها كل الخير، ويوفقنا وإياكم لأداء الحق، ويجزل لنا لكم في العطاء والرزق.
مقدمة خطبة المولد النبوي الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي لم يشهد أحدًا حين فطر السماوات والأرض، ولا اتخذ معينًا حين برأ النسمات. لم يشارك في الإلهية، ولم يظاهر في الوحدانية. كلت الألسن عن غاية صفته، والعقول عن كنه معرفته، وتواضعت الجبابرة لهيبته، وعنت الوجوه لخشيته، وانقاد كل عظيمٍ لعظمته. فله الحمد متواترًا متسقًا، ومتواليًا مستوثقًا، وصلواته على رسوله أبدًا، وسلامه دائمًا سرمدًا.
وأشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا عديل، ولا خلف لقوله ولا تبديل. وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله وصفيه وخليله أدى الأمانة وبلغ الرسالة للعباد، وجاهد في الله عز وجل حق الجهاد، وبشر بما هو حق من الثواب، وأنذر بما هو صدق من العقاب. فصل اللهم وبارك عليه وعلى من تبعه من آله وأصحابه الغر الميامين إلى يوم القيامة والدين يا أرحم الراحمين.
الوصية بتقوى الله في خطبة المولد النبوي الشريف
عباد الله أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، وكثرة حمده على آلائه إليكم، ونعمائه عليكم، وبلائه لديكم، وأحثكم على طاعته، وأنهاكم عن معصيته. فقد قال في محكم كتابه “وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ” البقرة 194، وقال أيضًا “وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ” البقرة 197. فبالتقوى تصلح الأعمال وتغفر الذنوب ويرضى عنكم الإله وتفوزوا بالجنان يوم القيامة.
الخطبة الأولى بمناسبة المولد النبوي الشريف
أما بعد:
فقد اجتمعنا اليوم في ذكرى مولد حبيبنا خاتم الأنبياء المرسلين وخيرة خلق الله أجمعين سيدنا ونبينا محمدًا المصطفى صلوات الله عليه وسلامه. فلنستحضر معًا ذكرى هذه المناسبة العظيمة ولنكثر من الصلاة على النبي الأكرم علّنا ننعم بقربه وننجو بشفاعته يوم لا تجزى نفس عن نفسٍ شيئًا ولا هم ينظرون.
إخواني المؤمنين إن الناس لما كثروا اختلفوا وتفرقوا وأضاعوا طريق الرشد والهدى، وانشغلوا بالدنيا عن الآخرة، وهم ما خلقوا إلا ليعرفوا الله ويعبدوه ويوحدوه “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون ِ” الذاريات 56. وشاء الله أن يعلي كلمته وينفذ مشيئته فأرسل الرسل مبشرين بالثواب ومنذرين بالعقاب، وبدأ بآدم عليه السلام وختم بمحمدٍ عليه السلام، وقد أجمع الفقهاء وعلماء الشريعة أن ولادة نبي الهدى محمدًا صلى الله عليه وسلم كانت في مثل هذا اليوم الموافق للثاني عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل، وأن ما حدث من قدرٍ ومعاجزٍ في ذلك اليوم يجل على أن يعد ويحصى. ولما توفي عبد الله بن عبد المطلب والد الرسول صلى الله وعليه وسلم كان عمره في بطن والدته آمنة بنت وهبٍ ستة أشهرٍ وقد قالت الملائكة مخاطبةً ربها “إلهنا أيبقى نبيك وحبيبك يتيمًا” فقال عز من قائل “أنا أولى بحفظه من أمه وأبيه، وأنا خالقه ورازقه ومربيه، وأنا ناصره على أعاديه، ولي تدبير كل ذلك وأنا على كل شيءٍ قدير”.
عاش نبينا عليه السلام في كنف جده عبد المطلب، ثم في كنف عمه أبي طالب، وقد بدأ حياته كمعظم أنبياء الله برعي الأغنام إلى أن صادف السيدة خديجة رضي الله عنها، وتزوج منها وكان عمره آنذاك خمسًا وعشرين عامًا فأوكلت إليه مهام تجارتها.
وعندما بلغ الأربعين من عمره بعث الله تعالى بجبريل عليه السلام يوحي إليه أول آيات القرآن الكريم “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَق(2)” سورة العلق 1-2، قضى بعدها ثلاثةً وعشرين عامًا مجاهدًا في إعلاء كلمة الله وإرساء الحق والدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر، والحض على مكارم الأخلاق.
خصال النبي محمد صلى الله عليه وسلم
اشتهر نبي الإسلام بين العرب بالصدق والأمانة ورجاحة العقل، حتى عرف بالصادق الأمين. وقد استنجد به في حل الكثير من الخلافات والنزاعات التي حدثت بين القبائل العربية. كما أثنى الله عليه في قوله تعالى }وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ { القلم 4، أي إنك أيها الرسول على دين عظيم وسلوكٍ قويمٍ، وقد قال فيه حسان بن ثابت:
وأحسن منك لم تر قط عيني | وأكمل منك لم تلد النساء |
خلقت مبرأ من كل عيبٍ | كأنك قد خلقت كما تشاء |
دعونا أيها الأخوة الأكارم نستذكر بعضًا من أبرز خصال النبي صلى الله عليه وسلم حيث يصعب علينا حصرها. ولنبدأ بالصدق إذ عرف عن النبي الأكرم أنه كان صادقًا في أقواله وأفعاله، فعن عبد الله بن عباس أنه لما نزلت آية } وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {الشعراء 214 صعد الرسول عليه السلام إلى الصفا وجعل ينادي لبطون قريش حتى اجتمعوا فقال “أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟” قالوا “نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا”.
أما الخصلة الثانية كانت الكرم والجود، فقد كان النبي عليه السلام جوادًا كريمًا، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلًا أتى النبي عليه السلام فأمر له بشاءٍ بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال “أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء رجلٍ لا يخشى الفاقة”.
وقد عرف النبي أيضًا بالتواضع، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الرسول عليه السلام مر على صبيانٍ فسلم عليهم، وإنما فعِلُ لذلك دليل على تواضعه وحسن تربيته. كما كان النبي رحيمًا بأمته لذلك وصفه الله تعالى بقوله “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” التوبة 128. وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن الله كتب الإحسان على كل شيءْ. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته”.
ومن أشهر خصال النبي عليه الصلاة والسلام العدل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت “إن قريشًا همهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيدٍ حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال الرسول عليه السلام: أتشفع في حدٍ من حدود الله، ثم قام وخطب فقال: إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا أذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمةً بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها”. وهذا دليل على عدم محاباة النبي صلى الله عليه وسلم لأحدٍ. اللهم ارزقنا وأياكم اتباع سنته والظفر بشفاعته، وأوردنا حوضه وشرفنا برفقته في الفردوس الأعلى يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية في المولد النبوي الشريف
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونسترشده ونؤمن به ونتوكل عليه، نؤمن به أولا باديًا، ونستهديه قريبًا هاديًا. من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أنه لا إله الا الله وحده وكفى، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على سيدنا ونبينا محمدٍ المصطفى، وعلى آله الأطهار الذين اجتباهم واصطفاهم، وعلى أصحابه الأبرار أهل الوفا، وعلى من اقتفى أثرهم من أهل الإيمان والصفا.
أما بعد:
أخواني المؤمنين إننا في هذا الزمن بأمس الحاجة لاتباع شمائل وخصائل النبي الأكرم في أقوالنا وأفعالنا. فلو سأل سائلٍ أتحبون النبي محمد عليه السلام لتسابقنا في الإجابة “بلى نحبه”، ولكن حب النبي لا يقاس بالكلمات، إنما حب النبي يكون بالاقتداء به، واتباع أقواله وأفعاله، والتأدب بآدابه. دعونا أخواني المؤمنين نعاهد أنفسنا منذ هذه اللحظة بأن نقرأ سنة حبيبنا وقرة أعيننا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ونتعرف على تفاصيل حياته، ونتبع أقواله ونتمسك بهديه ورسالته. جعلنا الله وإياكم ممن سمع القول فاتبع أحسنه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
دعاء في ختمة خطبة المولد النبوي الشريف
- اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد بأفضل ما صليت وسلمت وباركت ورحمت وترحمت على سيدنا إبراهيم وآل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
- اللهم إني أسألك أن تجعلني وأخواني المؤمنين ممن اتبع هدي نبيك واقتفى أثره وحشر في زمرته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
- اللهم ألف بين قلوبنا واجمع شملنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام ونجنا بنورك من الظلام، وبارك في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
- اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، واجعل خير عمرنا آخره، وخير عملنا خواتمه، وخير أيامنا يوم نلقاك فيه يا رب العالمين.
- اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همً إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار وسلم تسليمًا كثيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.