شغل الحديث عن أسباب مرض الفطر الأسود وطرق علاجه أفكار الملايين من سكان العالم خلال الأشهر القليلة الماضية. إذ لم يكد العالم يستفيق من صدمة وباء كورونا ليصحى على وباءٍ آخر قد يكون أشد خطورةً. فبين ليلةٍ وضحاها تسلل الخوف مجددًا إلى نفوس الكثيرين، وخصوصًا بعد كثرة الشائعات المحيطة بمرض الفطر الأسود. إذ تحدثت الشائعات عن موت كل من يصاب به، أو انتزاع عينه إذا حالفه الحظ ونجا منه. فما حقيقة ما يتناقله الناس عن مرض الفطر الأسود؟
ويمكن تعريف الفطر الأسود “black fungus”، أو ما يعرف أيضًا بفطر الغشاء المخاطي بأنه عدوى فطرية خطيرة، إلا أنها نادرة الحدوث، تصيب الجيوب أو الدماغ أو الرئتين، وتظهر على شكل مستعمراتٍ سوداء اللون في الأنسجة المصابة بالمرض.
ومن جهةٍ أخرى لا يعتبر مرض الفطر الأسود مرضًا جديدًا، حيث أشارت بعض المصادر البحثية إلى أنه سجلت أول حالة ظهورٍ للمرض عام 1876 على يد طبيبٍ ألمانيٍ، وكانت الحالة لمريضٍ توفي بمرض السرطان. وللوقوف عزيزي القارئ على حقيقة المعلومات الواردة بشأن هذا المرض، فقد أجرينا بعض التحريات والاستشارات الطبية المتعقلة بأسباب مرض الفطر الأسود، وكيف يمكن علاجه، وهل من الممكن الوقاية من خطر الإصابة به.
أسباب مرض الفطر الأسود
يصاب الإنسان بمرض الفطر الأسود نتيجة ملامسته لأنواعٍ مختلفةٍ من المواد العضوية الفاسدة كالخبز المتعفن، والفواكه والخضار المتحللة وأكوام السماد الطبيعي والتربة. إذ تحتوي هذه المواد على عدة أنواعٍ من الفطريات المسببة لمرض الفطر الأسود. وقد أشارت الدراسات إلى أن ضعف جهاز المناعة قد يزيد من خطر الإصابة بهذا المرض. لذا فإن الأشخاص الذين يعانون من أحد الأمراض التالية هم أكثر عرضةً للإصابة به:
- متلازمة نقص المناعة المكتسب أو ما يعرف بمرض الإيدز.
- سرطان الدم (اللوكيميا)، وسرطان الغدد اللمفاوية.
- داء السكري غير المستقر.
- سوء التغذية وتراجع الحالة الصحية.
- الحماض الأيضي.
- استخدام الستيرويدات لفترةٍ طويلةٍ، إضافةً إلى بعض أنواع الأدوية التي قد تضعف جهاز المناعة.
- زراعة الأعضاء أو الخلايا الجذعية.
وتجدر الإشارة إلى أن مرض الفطر الأسود غير معدٍ، أي أنه لا يمكن أن ينتقل من إنسانٍ لآخر من خلال الاتصال بينهما، إنما يصل إلى الإنسان عادةً من خلال الأبواغ الفطرية المنتشرة في الهواء، والتي قد يكون من المستحيل تفاديها في بعض الحالات.
أنواع الفطر الأسود
هناك عدة أنواعٍ من الفطريات المسببة للإصابة بمرض الفطر الأسود، وكل منها يستهدف منطقةً مختلفةً في جسم الإنسان، وهي على الشكل التالي:
الفطر الأسود الأنفي والدماغي
يصيب الجيوب الأنفية والدماغ، ويعتبر مرضى السكري، والمرضى الذين خضعوا لعمليات زراعة الكلى أكثر عرضةً للإصابة بهذا النوع من الفطر.
الفطر الأسود الرئوي
يستهدف رئة المريض، ويصيب مرضى الأورام السرطانية، والمرضى الذين أجروا عمليات زراعة أعضاءٍ، أو زراعةٍ للخلايا الجذعية.
الفطر الأسود الهضمي
يصيب الجهاز الهضمي، وعادةً ما يستهدف هذا النوع صغار السن، وخصوصًا الأطفال الخدج وحديثي الولادة الذين تقل أعمارهم عن شهرٍ واحدٍ. كما يستهدف المرضى الذين أكثروا من تناول المضادات الحيوية، وأنواع الأدوية الأخرى التي تضعف جهاز المناعة.
الفطر الأسود الجلدي
يدخل هذا النوع إلى الجسم من خلال وجود شقوقٍ جلديةٍ ناتجةٍ عن العمليات الجراحية، أو الحروق، ويعتبر هذا النوع أكثر الأنواع التي تصيب الأشخاص الذين لا يعانون من ضعف جهاز المناعة.
الفطر الأسود المنتشر
ينتقل هذا الفطر إلى أجهزة الجسم الأخرى عن طريق مجرى الدم، ويصيب أعضاءً أخرى في الجسم مثل القلب والطحال والكلية.
أعراض مرض الفطر الأسود
تختلف الأعراض المرافقة للإصابة بمرض الفطر الأسود باختلاف نوع الفطر المسبب للمرض، إلا أنه من الممكن تصنيف هذه الأعراض على الشكل التالي:
أعراض الفطر الأسود الأنفي الدماغي
- جحوظ العينين وانتفاخهما.
- تورم الوجه من جهةٍ واحدةٍ مع الإحساس بصداعٍ في الرأس.
- الإصابة بالحمى.
- احتقان الأنف مع الإحساس بألمٍ في الجيوب الأنفية.
- ظهور آفاتٍ سوداء فوق الأنف والجزء العلوي من الفم.
- احمرار الجلد فوق الأنف وظهور بعض القشور السوداء داخل تجاويف الأنف.
أعراض الفطر الأسود الرئوي
- ضيق التنفس مع الإحساس بألمٍ في الصدر.
- السعال، والسعال الدموي أحيانًا.
- الإصابة بالحمى.
أعراض الفطر الأسود المعوي
- آلام في البطن.
- الشعور بالغثيان وتقيؤ الدم في بعض الأحيان.
- الإسهال مع ملاحظة وجود دمٍ في البراز.
أعراض الفطر الأسود الجلدي
- تلون المنطقة المصابة من الجلد باللون الأسود.
- ظهور بثورٍ وقروحٍ مؤلمة.
- احمرار المنطقة المصابة وتورمها.
علاج مرض الفطر الأسود
تنصح المكتبة الوطنية الأمريكية للطب بإجراء عمليةٍ جراحيةٍ سريعةٍ لاستئصال جميع أنسجة الجسم المصابة بهذا المرض ومنع انتشار العدوى إلى الأنسجة المجاورة. حيث تلي هذه العملية معالجة المريض بالأدوية المضادة للفطريات، والتي تعطى غالبًا على شكل حقنٍ وريديةٍ. ويعتبر دواء “أمفوتيريسين ب” أكثر الأدوية شيوعًا لعلاج هذا المرض، وتتراوح فترة تناول الدواء بين عشرة أيامٍ وحتى ستة أسابيعٍ بحسب الفترة التي يستغرقها تعافي المريض.
ولكن لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن العمليات الجراحية قد تؤدي إلى حدوث تشوهاتٍ لدى المريض. إذ تتطلب بعض الحالات إزالة عظم الفك، أو أجزاءً من الأنف والعين، أو حتى انتزاع العين بالكامل. غير أن ذلك يبقى أفضل بكلٍ تأكيدٍ من وفاة المريض.
ومن جهةٍ أخرى تشدد الكثير من المراكز الصحية على ضرورة مراجعة الطبيب المختص عند الاشتباه بأيٍ من أعراض هذا المرض، إذ أن لسرعة تشخيص المرض دورًا كبيرًا في الحصول على نتائجٍ إيجابيةٍ أثناء العلاج.
طرق الوقاية من مرض الفطر الأسود
هناك مجموعة من الإجراءات الوقائية التي تقلل من خطر الإصابة بمرض الفطر الأسود، وتتمثل هذه الإجراءات بـ:
- التخلص من الخضروات والفواكه الفاسدة، وعدم الاحتفاظ بها داخل المنزل.
- غسل الفواكه والخضار وتنظيفها بشكلٍ جيدٍ قبل تناولها، وحفظها في الثلاجة حتى لا تفسد.
- رمي القمامة بشكلٍ يوميٍ وتعقيم سلة المهملات بعد إزالة القمامة منها.
- تعقيم الحمامات يوميًا بالمواد المطهرة المناسبة.
- تهوية المنزل والسماح لأشعة الشمس بالدخول إليه.
- تنظيف الثلاجات وتهويتها لبعض الوقت.
- تهوية المفروشات والمناشف، والتأكد من جفافها قبل وضعها في الخزانات المخصصة لها.
- الابتعاد قدر الإمكان عن تناول الكورتيزون وأدوية المضادة الحيوية الأخرى دون سببٍ يستوجب ذلك.
لماذا اقترن الحديث عن الفطر الأسود بالحديث عن كورونا
أعلنت السلطات الصحية في الهند في الثالث والعشرين من شهر أيار للعام 2025 إصابة ما يزيد على تسعة آلاف مواطنٍ هنديٍ بمرض الفطر الأسود القاتل. كما أنذرت بإمكانية تحول هذا المرض إلى وباءٍ آخر يجتاح البلاد إلى جانب وباء كورونا.
من جهةٍ أخرى فقد تتضمن هذا الإعلان تصريحًا يفيد برصد انتشارٍ متسارعٍ للمرض بين المصابين بفيروس كورونا والمتعافين منه، وهذا ما دفع بملايين الناس إلى ربط مرض الفطر الأسود بفيروس كورونا، والتخوف من انتشار هذا الوباء الجديد في بلدانهم.
ولا بد أنك قد لاحظت عزيزي القارئ من خلال قراءتك لمقالنا أن مرض الفطر الأسود يستهدف الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة، ومما هو مثبت طبيًا أن فيروس كورونا، إلى جانب الأدوية المستخدمة في علاجه من شأنها إضعاف جهاز المناعة. وبهذا الشكل يصبح الشخص المصاب بفيروس كورونا أو المتعافي منه أكثر عرضةً للإصابة بمرض الفطر الأسود، إلا أن الأمر لا يتعلق بفيروس كورونا فقط، بل بجميع الأمراض التي من شأنها إضعاف جهاز المناعة.