تسبح العناصر الغذائية في جسم الإنسان لتأخذ موقعها ودورها، بحيث تحافظ على كفّتي الميزان متوازنتين في الجسم. فإذا اضطرب عنصر من تلك العناصر أدى ذلك إلى تأرجح في تلك الكفة مما يولد عنه اضطرابات عديدة. وسنتحدث عن أهمها وهي أسباب انخفاض السكر عند الشخص السليم. يعد الغلوكوز المصدر الأساسي الذي يمد الجسم بالطاقة الضرورية للحفاظ على توازنه طوال اليوم. بالإضافة إلى أنه العنصر الغذائي الأسمى الذي يعتمد عليه دماغ الإنسان في استكمال وظائفه والحفاظ على استقرار الجسم.
وبالرغم من سهولة الحصول عليه يوميًا من الطعام والشراب، إلا أنه يشيع انخفاضه الفيزيولوجي كثيرًا وخاصةً لدى الفتيات. كما تجدر الإشارة إلى أن لعنصر الغلوكوز ضابط آمان. ويتمثل بهرمون الإنسولين (وهو بروتين عديد الببتيدات يصنَع من قبل خلايا بيتا في جزر لانغرهانس في البنكرياس). إذ تتمثل وظيفته بمنع ارتفاع قيم السكر في الدم، ونظرًا لدور الإنسولين فلا أهمية للغلوكوز بدونه، إذ يعد مسؤولًا عن دخول الغلوكوز إلى خلايا الجسم لتستهلكه في عملية الاستقلاب والبناء في الجسم.
الفيزيولوجيا المرضية لانخفاض سكر الدم عند الشخص السليم
يجري امتصاص مادة الغلوكوز بعد تناول وجبة الطعام بشكلٍ منظَم من قبل الخلايا الجسمية في كل أعضاء الجسم. مما ينعكس ذلك في الحقيقة بمقدار الطاقة والجهد الذي يستطيع الإنسان بذله دون أي عناء. فبعد تناول الطعام وبمساعدة هرمون الإنسولين، يدخل الغلوكوز إلى داخل الخلايا لتمتصه وتستفيد منه في عمليات الاستقلاب.
يتراوح الحد الآمن لنسبة السكر في الدم وسطيًا من 70-110 ملغ/دل. فإذا ما جرى زيادة معدل تناول الطعام، سوف يولد زيادةً في امتصاص الغلوكوز وتخزينه في الكبد على شكل غليكوجين. إذ يعاد تحويله إلى غلوكوز واستخدامه فيما بعد دون أن يؤثر ذلك على مستوى السكر في الدم. ونظرًا لذلك، يملك كل إنسان سليم ذخيرةً أساسيةً تستهلك عند نفاد الغلوكوز في الجسم والحاجة إليه. وفي حال نفاذ الغليكوجين، وعند بذل أي مجهودٍ زائد سيؤدي ذلك إلى انخفاض سكر الدم معرضًا الشخص لمواقفٍ عديدةٍ قد تسبب بعض المشاكل المتعبة.
أهم أسباب انخفاض السكر عند الأشخاص السليمين
أكثر من يصاب بانخفاض السكر النوبي هم مرضى الداء السكري، وقد يبدو للبعض أنهما أمران مخالفان لبعضهما. إذ يتعرض مرضى السكر لما يسمى بالتأثير الجانبي للأدوية الخافضة لسكر الدم ألا وهو انخفاض السكر التالي لحقن الإنسولين ومن ناحيةٍ أخرى، يشيع أيضًا انخفاض السكر غير المصاحب لمرضى السكري. ويمكن تصنيفها من ناحية الأسباب إلى:
- الأسباب الغدية: طالما أن للهرمونات دور في الحفاظ على نسبة السكر ضمن مجالها الطبيعي في الجسم. فقد يتظاهر أي اضطراب يصيب تلك الهرمونات سريريًا بانخفاض أو ارتفاع السكر. ونذكر أهم الأسباب الغدية:
- زيادة إفراز هرمون الإنسولين: وهنا الآلية فيزيولوجية وناتجة عن زيادة إفراز الإنسولين التالي للوجبة الطعامية. وقد يعتبر ذلك عامل خطر للإصابة بداء السكري لاحقًا.
- قصور في وظيفة بعض الغدد في الجسم: ونخص بالذكر المحور الوظائي الكظري (الغدة الكظرية، والغدة النخامية) فأي اضطراب أو خلل سيؤدي حتمًا إلى إفراز بعض الهرمونات التي تخفض نسبة السكر في الدم.
- تأثير بعض الهرمونات: وأهمها الكورتيزول والغلوكاغون (هرمون معاكس لتأثير الإنسولين)، وهرمون النمو إذ يؤدي انخفاض إفرازهم في الجسم إلى خفض السكر المرافق.
- الأسباب الإنتانية: في كل عملية التهابية، يحرق السكر في الجسم ليولد الطاقة اللازمة لتفعيل المناعة ضد البكتيريا المسببة للالتهاب. وهذا بدوره يخفض نسبة السكر. ونذكر أهم الأمراض الإنتانية تلك: التهاب الكبد (A+B) الذي يعيق إفراز الغلوكوز المدخر في الكبد. بالإضافة إلى التهاب الكلية.
- بعض الأورام: وقد يكون التظاهر الأول لبعض الخباثات. مثل تلك الأورام التي تزيد من عدد خلايا بيتا المفرزة لهرمون الإنسولين وهي أورام البنكرياس مما يسبب في النهاية انخفاض السكر عند المصاب.
- بعض الأدوية: ولا ننسَ أن بعض الأدوية متهمة أيضًا بتأثيرها على سكر الدم محدثةً انخفاضه. ومثل ذلك: الأسبرين، وبعض الصادات الحيوية، وأيضًا أدوية أمراض الكلية المزمنة وخاصةً عند الأطفال.
- الأسباب الجراحية: وهناك بعض العمليات الجراحية التي يخضع لها بعض المرضى بهدف الإصلاح الطبي. ومثل ذلك: العمليات المجراة على المعدة (طيّ نيسن) في القلس المريئي أو تلك العمليات الإسعافية المجراة على البنكرياس نتيجة رض ما. والنتيجة من ذلك انخفاض السكر رضيّ المنشأ في الجسم.
- أسباب أخرى: ومن بينها: سوء التغذية نتيجةً لمجاعة أو مرافق لبعض الأمراض المزمنة أو تالية للحمية المتبعة لإنقاص الوزن بطريقة غير صحية. مما ينتج عنها نوبات متكررةً من انخفاض سكر الدم. بالإضافة إلى الاكتئاب الذي يسبب فقدان الشهية أو الإضراب عن الطعام مما يسبب انخفاضًا مفاجئًا في سكر الدم. كما تجدر الإشارة إلى أن تناول الكحول يسبب ارتفاع سكر الدم في البداية فقط. بينما الإدمان عليه ومع مرور الوقت يعرض شاربه لانخفاض سكر الدم وبعدّة آليات.
التظاهرات السريرية لانخفاض السكر عند الأشخاص الأصحاء
تتنوع الأعراض السريرية وتختلف من شخص إلى آخر بحسب انخفاض قيمة السكر في الجسم. فقد تتراوح من التظاهرات العرضية الخفيفة إلى التظاهرات الخطيرة والمميتة في حال عدم معرفة السبب. وعليه فإن الأعراض السريرية لانخفاض سكر الدم تظهر كما يلي:
- الشعور بالجوع: بدايةً وكعَرَض أوّلي، يشعر الإنسان برغبته الشديدة في تناول الطعام. نظراً لأن الغلوكوز مصدر الطاقة والمغذي الأساسي لخلايا الدماغ، فسيحفز انخفاضه مركز الجوع في الدماغ على البدء بتناول الطعام.
- الدوار أو الإعياء: يعتبر الغلوكوز مسؤولًا بشكل مباشر عن مستوى التركيز عند الإنسان. فطالما حوفظ على نسبة الغلوكوز متوازنةً جرى الحفاظ على نسبة التركيز أيضًا. وانتبه جيدًا فقد يكون انخفاض السكر شديدًا ليصل إلى مرحلة الإغماء وفقد الوعي.
- الشعور بالنعاس: يعتبر انخفاض السكر في الدم السبب الأساسي والذي يجب التفكير به أولًا عندما يشعر الإنسان بالرغبة في النوم. وذلك بسبب انخفاض مستوى الطاقة في الجسم.
- ظهور حركات لا إرادية رجفانية: ويحدث هذا العرض عند انخفاض نسبة السكر لما دون 55 ملع/دل.
- حس الخفقان أو تسارع ضربات القلب: يستطيع الإنسان الإحساس بزيادة سرعة ضربات قلبه كما ويستطيع عدّهم. وهو الشعور الأول الذي يحس به الإنسان عند البدء بانخفاض سكر الدم نظرًا لارتفاع هرمون الأدرينالين مباشرةً.
- التعب والوهن العام: نسبةً لانخفاض الطاقة الضرورية لبقاء الجسم في حالة توازن.
- أعراض ودية: والتي تنجم عن تفعيل الجهاز الودي في الجسم فيريولوجيًا. وكما ذكرنا أعلاه يفرز الأدرينالين نتيجة انخفاض سكر الدم مما يسبب تسرع القلب. بالإضافة إلى ذلك يتعرّق الشخص بما يعادل الركض لمدة 60 دقيقةً تحت أشعة الشمس.
- فقد الوعي أو السبات: في حال لم ينتبه الشخص لانخفاض السكر لديه أثناء انشغاله في العمل، وفي حال استمرار الانخفاض فقد يسبب فقد وعي مفاجئًا عند وصول قيمة السكر إلى ما دون 40 ملغ/دل. ويتطلب هذا الأمر الإسعاف مباشرةً وغير ذلك سيدخل الشخص بحالة سبات.
- اعراض أخرى: بالإضافة إلى عدة أعراض سريرية أخرى مرافقة. نذكر على سبيل المثال: تشوش الرؤية، والصداع خاصةً في المنطقة الجبهية (مقدمة الرأس)، تجفاف أغشية الفم والشفاه.
هل يتعرض الإنسان أثناء النوم لهبوط السكر المفاجئ
بالطبع نعم، وأكثر ما يصيب الأطفال الصغار المصابين بالداء السكري النمط الأول. ونظرًا لصعوبة كشفه مباشرة فإن خطورته تكمن في ذلك، يتلقى الأطفال حقن الإنسولين مساءً قبل النوم وهذا ما يسبب انخفاض سكر الدم أثناء النوم الذي يتظاهر بما يلي:
- تسرع نبضات القلب والإحساس بالخفقان.
- التعرق الغزير وسخونة الجلد.
- الدخول في النوم العميق وظهور الأحلام المزعجة.
- يشكو الطفل عند استيقاظه من صداع شديد لا يقدر على مقاومته،
- الهياج او الصراخ اثناء النوم.
- صعوبة في التنفس وقد تتظاهر بزيادة عدد مرات التنفس.
علاج انخفاض السكر عند الأشخاص السليمين
لا بد من معالجة انخفاض السكر الآني (في نفس الدقيقة) مباشرةً لتجنب المضاعفات الخطيرة. ويكون ذلك عن طريق إعطاء المريض الكربوهيدرات او الغلوكوز السريع عن طريق وجبة سريعة أو قطعة حلوى. وفي حال الغياب عن الوعي يجري فتح وريد محيطي مباشرةً ودفع دكستروز تركيز 10% نعطي 2 ملغ/كغ، أو نعطي هرمون الغلوكاغون وريديًا. والهدف من ذلك رفع مستوى السكر في الدم. وليس من الصحيح ألا نعاير نسبة السكر بعد ذلك. إذ إن مراقبة السكر هنا ضرورية جدًا، وتجري معايرة السكر كل 15 دقيقةً وإعادة نفس التدابير السابقة حتى الوصول إلى نسبة طبيعية من السكر في الجسم.
- علاج المسبب: ويكون ذلك بعد تحديد سبب نقص السكر المفاجئ وعلاجه.
- الاهتمام بالنظام الغذائي: يتمثل ذلك في تقسيم الوجبات إلى 6-7 وجبات حبث تتكرر الوجبة كل 3 ساعات من الوجبة السابقة. حيث يساعد هذا في الحفاظ على نسبة السكر مستقرة نوعًا ما في الدم.
- بالنسبة لمرضى السكري: زر طبيبك الخاص لتعديل جرعات الأدوية الخافضة السكر الدم.
هل يمكن ألا يشعر الانسان بنقص السكر في الدم
نعم، والسبب أنه أثناء نوبة انخفاض السكر في الدم، يرسل هذا الفعل إشارات إلى الدماغ ليؤدي دوره بتنبيه الجسم لنقص السكر. ويتظاهر ذلك بالأعراض التي جرى الحديث عنها سابقًا. ونظرًا لتكرار تلك النوبات يدخل الجسم في حلقة معيبة إيجابية. والمقصود بذلك ترسل خلايا بيتا إشارات كهربائيةً دماغيةً متتاليةً، ولكن هنا دون رد فعل. إذ يكفّ الدماغ عن إظهار الأعراض السريرية، ويتكرر هذا المشهد حتى يصل بالإنسان إلى فقد الوعي المفاجىء وحتى الوفاة.
والخلاصة عزيزي القارىء، اجعل صحتك أولى اهتماماتك واسعى دومًا إلى عدم إهمال وجبة الإفطار فهي غذاء الدماغ والطاقة التي ستستمر بها طيلة النهار. واحرص دومًا على قياس نسبة السكر في الدم بشكل منتظم.